كتاب سبر

اللص والكلاب

لكن أسامة بن لادن قتل مظلوما. أظن أن من يصفه بالمجاهد تماما كمن يصفه بالقاتل، كلاهما يستمد معلوماته من القنوات الإعلامية المنحازة، ومنتديات الشبكة العنكبوتية، وبعض فيديوهات اليوتيوب. 

ما حدث هو أن إنسانا اتهم بجريمة، وظلت وسائل الإعلام المختلفة تبذل كل الجهد إما لشيطنته أو لخلع البطولة عليه، ثم أخيرا قتل في الأحراش وألقي بجثمانه في البحر. هكذا، دون أن يمنح الحق الإنساني في المثول أمام جهة تحقيق لمساءلته، والحق في توكيل محام يدافع عنه، والحق في المثول أمام محكمة عادلة. لا يقلقني بالمرة المسلك الأمريكي الهمجي في اصطياد البشر وقتلهم، فهو نهج أمريكي قديم، لا يسأل عنه جورج دابليو بوش، ولا باراك حسين أوباما، ولا أرى أنه من الإنصاف محاسبتهما وحدهما، فهي سياسة دولة اعتادت تجاوز كل القيم الإنسانية، والقوانين، والأخلاقيات، للاحتفاظ بلقب “القوة العظمى”.

المفزع هو ردود أفعال عربية وعالمية مخزية، لخطاب السفاح أوباما وهو يفخر على العالم بأنه قاتل، ويسمي جريمته بـ”العدالة”، بل وتتملكه روح أحد أبطال مسلسل “ذئاب الجبل”، فيقول ما معناه “النهارده نجدر ناخد عزا الجتيل يا ولد”. 

إذا كان أوباما يرغب في الحصول على فترة رئاسية ثانية، وإذا كان المحتفلون في الولايات المتحدة الأمريكية تركوا العنان لغرائزهم الانتقامية العمياء، المتطابقة مع الهمجية الرومانية المنتشية برائحة دماء العبد وهو بين فكي الأسد، فكيف بالله تفسر تعليق بان كي مون – الأمين العام للأمم المتحدة – على هذه الجريمة، المفتئتة على كل قانون وحق من حقوق الإنسان؟ كيف لرجل يمثل القانون الدولي أن يخرج على الإنسانية وهو يقر جريمة اغتيال دولية، بل ويعبر عن سعادته، ويعدنا بمزيد من الجرائم المتتالية لـ”مكافحة الإرهاب”. 

إرهاب؟

ماذا يعني الإرهاب؟ أنا لا أفهم هذه الكلمة، ولا أحبها، كل ما أعرفه هو القانون وحقوق الإنسان.

قلت أن بن لادن قتل مظلوما، وهو كذلك:

1- حتى هذه اللحظة، المدعى عليه أسامة بن لادن، هو متهم في جريمة تفجير برجين في نيويورك، ولم تثبت إدانته بشكل قانوني، بل إنه لم يتم التحقيق معه. والمتهم بريء حتى تثبت إدانته. 

2- الجريمة لا تثبت على المدعى عليه بالشيوع. فمهما روجت وسائل الإعلام العالمية لاتهام ما ضد شخص ما، فإن هذا الشخص أمام القانون بريء طالما لم يتم إثبات الجريمة عليه بالوسائل القانونية المتعارف عليها.

3- حتى هذه اللحظة لم تقدم الولايات المتحدة دليلها على تورط المواطن أسامة بن لادن في جريمة تفجير برجي التجارة. وأقامت الدنيا ولم تقعدها، وقادت حربا مسلحة، وحربا إعلامية عالمية ضد مجموعة بشرية، مستندة على اتهام لشخص واحد ينتمي إلى هذه المجموعة البشرية، وخرقت القانون الدولي، وارتكبت الفظائع، ومارست الاستبداد العالمي، وفي خضم هذا الضجيج، نسيت أن تقدم دليلها ضد المدعى عليه. 

4- التسجيلات المنسوبة إلى بن لادن، صوتية كانت أم مرئية، لا يعتد بها في أي محكمة، ولا تعد سندا قانونيا، نظرا لعدم التأكد من صحتها، ولأن الجهات التي أذاعت هذه التسجيلات وروجتها غير ذات صفة. 

5- بفرض ثبوت التهمة على المدعى عليه، فلا يحق لأحد تنفيذ حكم إعدام فوري على المتهم. فالمتهم، وأهالي المجني عليهم، والرأي العام العالمي، لهم الحق في أن يتم التحقيق في الجريمة، في ظل ظروف إنسانية، وفي حضور أحد المحامين الموكلين بالدفاع عن المدعى عليه، ثم يتم عرض ملف القضية على المحكمة التي تفصل في القضية بعيدا عن التأثير الإعلامي، وما هو “متعارف عليه” في أوساط العامة. 

6- في حالة مقاومة المتهم أثناء محاولة القبض عليه (وهو مالم يحدث بالمناسبة، فالقوات كانت متوجهة لقتله) على القوات التي تحاول القبض عليه إصابته دون قتله حتى يتم اعتقاله حيا، وعلاجه، ثم بدء التحقيق معه. 

7- الادعاء بأن بن لادن هو من أوصى حارسه بقتله ادعاء يتجاوز حقيقة أن الوصية بنيت على خلفية معرفة بن لادن بأنه سوف يتعرض للتعذيب المريع في حال ما إذا تم إلقاء القبض عليه. 

8- جريمة ضرب برجين تضمر أمام جريمة احتلال بلدين، وجريمة قتل ثلاثة آلاف بريء تضمحل بجوار قتل ثلاثة ملايين وتشريد 11 مليون مدني. كل الناس بشر. وكل بشر دمه عزيز. وكل نفس برئية لها الحق في أن يتم القصاص من مهدرها. فلماذا يستحل الجميع دم بن لادن متجاوزين القانون وحقوق الإنسان ولا أحد يجول بخاطره أن بوش وأوباما ورامسفيلد يستحقون نفس المصير؟ ولماذا يصنف بن لادن إرهابيا بينما ينتخب أوباما رئيسا؟ 

9- لأهل المقتول الحق في تسلم جثمانه، والصلاة عليه، وبكائه، وتلقي العزاء فيه، وله الحق كإنسان في أن يدفن مثلما يدفن البشر والسباع والكلاب والقطط. ويح الجبناء. يخافون من الرجل حتى وهو جثة هامدة. 

10- الادعاء بأن بن لادن “شوه صورة الإسلام والمسلمين”، ادعاء باطل جملة وتفصيلا. هناك جريمة تشويه لمجموعة بشرية، نتج عنها اضطهاد عالمي لهذه المجموعة، وثقافتها، وديانتها، وكل ما يمت لها بصلة، هذه حقيقة. لكن المتهم الأول في هذه الجريمة هي وسائل الإعلام المسئولة عن ترويج خطاب الكراهية ضد هذه المجموعة البشرية، ورجال الأعمال الذين يقفون خلف وسائل الإعلام المروجة لخطاب الكراهية، والحكومات والدول الدافعة برجال الأعمال الذين يقفون خلف تلك الوسائل، وإلا فكيف اقتنع العالم بأن قاتل الثلاثة آلاف هو إرهابي، بينما يصر الجميع على أن قاتل الثلاثة ملايين هو مكافح للإرهاب؟ ولماذا تشوه مجموعة بشرية يصل تعدادها إلى مليار ونصف المليار بفعلة – افتراضية – لفرد من عامة الناس، لا يمثل سوى نفسه، ولم ينتخبه أي مسلم أو عربي، ولا تشوه مجموعة بشرية أخرى بأفعال مؤكدة لإدارات متوالية تم انتخابها بإرادة جماهيرية؟ 

إنسان يحاصر كالفأر في المصيدة، ويقتل في الأحراش، ويلقى بجثمانه في البحر كأنه بعير نافق، وسط توافق عالمي يعكس ترد أخلاقي إنساني، بينما يخرج آلاف من الهمج يحتفلون بهذه الجريمة؟ 

حسنا.. أشهد الله على أنني كنت سأبكي رامسفيلد لو كان لاقى نفس مصير بن لادن، تماما كما بكيت بن لادن. وأشهد الله على أن الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ارتكب جرائما أفظع مما هو منسوب لبن لادن، وقد ثبتت عليه كل الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب المصري منذ الثمانينيات، فإن لم تثبت عليه بشخصه، فقد ثبتت عليه بصفته رئيسا للجمهورية أثناء ارتكاب الجرائم. وأشهد الله على أنني لا أتمنى للرئيس المخلوع سوى محاكمة عادلة، في ظروف إنسانية، ولست فريدة في ذلك، فقد علمت أن بعض المنظمات الحقوقية – والتي كان مبارك قد اعتقل الكثير من أعضائها إبان حكمه – قد عرضت بالفعل التطوع للدفاع عنه في حال ما إذا لم يجد محاميا يرضى بالدفاع عنه. قتل الرئيس المخلوع آلاف المصريين على مدى 30 عاما، في أقسام الشرطة، وفي مقرات أمن الدولة، وكانت قواته تقنص “المشتبه بهم” في صعيد مصر، ويكتب على صفحات الجرائد المصرية “تم رفع بصمات الجثث والبدء في التحقيق”. لكن المصريين لم يقوموا بالثورة ليتبادلوا الأدوار مع مبارك! ولو أن المصريين عاملوا مبارك بمثل ما كان يعاملهم به لفقدت الثورة معناها وفحواها، ولذهبت دماء الشهداء هباء. 

لا يليق أن يفرح الناس بقتل أو مرض أو مصاب إنسان. الناس تفرح بالعدالة، والعدالة لا تتحقق إلا بالقانون، لذا، فقد فرحت بتقديم مبارك إلى المحاكمة، ولن أفرح إذا ما لاقى ربه، وسأخمش وجهي كمدا إذا ما – لا قدر الله – قتل دون محاكمة، وسأنثر شعري وأركض مجنونة في الطرقات إذا ما – لا سمح الله – ألقيت جثته في البحر، وسأشعر لحظتها بأنني تعرضت لظلم شخصي مروع، وبأن مبيتي في ميدان التحرير على مدى 18 يوما لم يسفر سوى عن كارثة كبرى، وأن دماء الشهداء التي أغرقت ملابسي غسلت بماء العار، فمالي أرى أولئك الذين خرجوا للاحتفال قد فقدوا عقولهم إلى جانب ضمائرهم؟ 

أكاد أفقد صوابي وأنا أكتب هذه البديهيات وكأنني أقدم على عملية انتحارية. يا نااااس… يا عاااالم… ما العجيب فيما أقول؟ ألا يحق لأهالي الضحايا أن يتم التحقيق مع الشخص الذي اتهم بقتل ذويهم لمعرفة ما إذا كان له شركاء أم لا؟ ألا يثير قتله بهذه الطريقة الشكوك؟ أما من مرجعية أخلاقية يستند عليها الناس في أحكامهم؟ أم أن سكان العالم قد تحولوا إلى حيوانات إعلامية؟ هل تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى مساعدة؟ يمكننا أن نرسل لهم نائبنا العام ليعطيهم دورات تدريبية في معنى “العدالة” التي تحدث عنها القاتل أوباما وهو لا يفقه عنها شيئا، مع الوضع في الاعتبار أن أداء النائب العام المصري لا يحظى بالرضا المنشود في مصر، لكنني أزعم أن أي مواطن في هذا الجزء “الإرهابي” من العالم، لديه من الأخلاقيات الكثير مما ينقص أوباما.