كتاب سبر

مقال ساخن نتوقع أن يفتح بوابات الأسئلة على مصاريعها
الشاشة النبوية

هل يجرؤ أحد على تمثيل دور النبي محمد ( ص )؟


 مستحيل.


هل يمكن أن يتحدانا ويتآمر ضدنا وينتج فيلما عن النبي (ص) ؟


جائز جدا لكن الغرب ليس نزقا ومجنونا إلى هذا الحد، ففيلم عن النبي صلي الله عليه وسلم يثير أزمة سياسية قبل حضارية، وشعبية قبل فنية، ودبلوماسية قبل الجميع، كما أن 100 عام هي عمر السينما العالمية لم تجرؤ علي ذلك أبدا. 


طيب هل يستطيع أن يفكر فنان في ذلك؟ 


حصلت.. بل وفي مصر. 


لماذا ؟ 


لأن الفترة السياسية التي شهدت هذا التفكير وتلك المحاولة كانت تسمح بطرح هذا بحرية في النقاش والجدل كذلك كانت تسمح بحرية في التراجع والابتعاد بدون أي اتهام بالكفر والردة والإلحاد، فلا السياسيون أيامهم كانوا أقل وطنية ولا الشيوخ كانوا أقل شجاعة ولا الفنانون كانوا أقل تدينا. 


ولكن هل عرف الإسلام في بدايته الفنون التي تصور وتمثل حتى يمنع تجسيد وتمثيل ودور النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة ؟ 


لا لم يعرف قطعا السينما والمسرح ولكن عرف القصص الشفاهي أول فن ازدهر في صدر الإسلام، وعرف أيضا الرسم وما يجوز على الرسم يجوز على غيره من فنون التجسيد والتشخيص .


وهل هناك نصوص واضحة تحرم ظهور النبي أو رسمه وتشخيصه وتجسيده ؟


كل النصوص قابلة لتفسيرات مختلفة لكن القطع هنا بعدم التمثيل هو قطع فقهي عليه إجماع منذ زمن طويل. 


إذن هل يمكن أن نعتبر أن التاريخ الإسلامي خال من رسم للنبي (ص) ؟


بالإجماع هناك رفض لتصوير النبي صلي الله عليه وسلم وحتى بغض النظر عن الأسباب الدينية فهناك معنى آخر يكمن وراء هذا المنع أو التحريم وهو الإبقاء علي صورة النبي صلي الله عليه وسلم مقدسة ومنزهة في الأذهان المسلمة. 


السؤال مرة أخري هل خلا التاريخ الاسلامي من رسم النبي (ص) ؟


 ظهرت رسوم للنبي، فارسية وتركية، حيث ازدهر الرسم وحيث التأثر بالفنون الحضارية المحيطة وحيث علاقة حميمة بين تصوير المسيحي في الرسوم والأيقونات المسيحية وبين المسلمين ذوي الأصول المسيحية والفارسية الذين دخلوا الإسلام في عهود تالية وفتوحات لاحقة. 


وأين هذه الرسوم ؟ 


موجودة ونادرة ومحرمة ولا نرى سببا وجيها لعرضها أو حتى بالفضول في رؤيتها. 


إذن ليس هناك وصف دقيق لملامح النبي ( ص ) ؟


لا طبعا فيه وصف تفصيلي ودقيق في السيرة النبوية وهو وصف رائع ومذهل ويمكن لأي خيال فنان مبدع أن يتخيله علي أشد ما يكون الجمال والوسامة. 


لكن لم تقل لنا أين جرت محاولة تصوير فيلم عن النبي محمد صلي الله وعليه وسلم ومتى ومن كان ورائها ؟


في جريدة الأهرام وفي 24 مايو سنه 1926 كتب الفنان الكبير يوسف وهبي يحكي قصته مع فيلم النبي: بعث إلي منذ شهر “وداد بك عرفي” الكاتب التركي المعروف يطلب مني مقابلته، فبادرت إليه حدثني عن شركة سينما سينغرافية تريد أن تأخذ بعض المناظر في مصر وتقوم بإخراج روايات شرقية ومصرية وعربية وبعد ذلك وصل الى القاهرة جناب الدكتور ماركوس رئيس هذه الشركة وطلب مقابلتي.. قال لي الدكتور ماركوس إن الشركة وقع اختيارها علي أنا لتمثيل دور البطولة وعرض علي شروطه وبعد مناقشة قبلتها بادرني قائلا سنبدأ بعمل تاريخ سيدنا محمد، فوجمت قليلا وسألته عما يعني  فأجابني نريد أن نظهر للعالم أجمع نريد أن يؤمن الجميع بعظمة محمد ومجد الدين الإسلامي. ولكنني لم أندفع وأجبته قائلا: لا استطيع، فأجاب لماذا ؟ فقلت إن ديننا يحرم علينا أن نصور هذا الرجل العظيم مهما كان قصدنا حسنا، فقال لكنك إذا رفضت أنت القيام بهذا الدور فسيلعبه أجنبي غيرك لا يعلم عن الدين الاسلامي حرفا.. وثارت ضد يوسف وهبي عاصفة نرى آثارها في رده، وليس معني قولي هذا انني أدافع عن فكرة تمثيل النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه فقد برهنت العكس واحترمت قرار مشيخة الأزهر وامتنعت عن التمثيل. 


ما معني هذه الحكاية ؟


معناها اننا لا نخاف شيئا وأن كل قضايا وأوامر وتفاصيل ومتعلقات الاسلام قابلة للنقاش والجدل بالتي هي أحسن وأن الاسئلة التي تبدو صعبة تشتد سهولتها وضوحا حين نجيب عنها. 


هل نفهم من نشر هذا الكلام الآن  أن الفقه الإسلامي ضد ظهور النبي في فيلم سينمائي ؟ 


آه أفهم ذلك. 


 لكن قبل أن تمضي، دعني أذكرك أن الفقه الإسلامي ضد ظهور شخص النبي صلي الله عليه وسلم لكن  ليس ضد استيحاء شخصه وأفكاره وحياته في أعمال فنية وإبداعية منها مثلا القصص والدراما التليفزيونية والسينمائي.


أقصد أن صورة النبي وشخصه منزهة عن التجسيد لكن الدروس المستفادة والعبر المستخلصة من سيرته قابلة للكتابة والتمثيل !