آراؤهم

درس من الخنساء …

ولولا كثرة الباكين حولي

على إخوانهم لقتلت نفسي

بيت الشعر هذا قالته الخنساء رضي الله عنها حين كانت تبكي على أخيها صخر إبان جاهليتها ، الخنساء كأنها كانت تعلم بحالنا بعدها فأرادت أن توجه لنا رسالة عابرة للأزمان انتقلت من زمن لآخر دون الحاجة لآلة زمن ، مفاد تلك الرسالة أن ” اللي يشوف مصيبة غيره تهون عليه مصيبته ” ، وهي دعوة لنا للكف عن الكم الهائل من التسخط الذي يحيط بنا من كل حدب وصوب وكأنه أصبح أحد الواجبات اليومية التي يجب أن تمر على آذاننا ، فمن متسخط من وضعه المادي إلى متسخط من وضعه الاجتماعي إلى من يسب ويشتم دوامه وسيارته وزوجته وأولاده وجاره …… إلى غير ذلك من سيل التسخط الذي يحتاج لسد كسد مأرب حتى تحتمي خلفه .

المتسخط مخلوق مسكين يثير الشفقة فلا هو بما أنعم الله عليه مستمتع ولا هو لما ابتلاه الله من نقص صابر ولا هو لجلسائه مسلٍّ ومسامر ، حديثه لا تحبه الآذان ومشاهدة وجهه المكفهر ممرضة للأبدان ، لا هو بالذي بنعم الله عليك ذكرك ، ولا هو بالذي عند مصابك صبرك ، لا تشبعه اللقمة ولا اللقمتان ولا يملأ عينه من الذهب واديان ، دائما يشكو للناس حاله وقلة حيلته ونقص ماله ، والناس يفرون منه فرارهم من المجذوم ، فإن مجالسته ممرضة للقلوب وإن داء التسخط داء معدٍ .

والدي علمني كلمة أحفظها كما أحفظ السورة من القرآن وهي : ” ياولدي من عافاك أغناك ” ، العافية وما أدراك ما العافية كنز وأي كنز تاج على رؤوس أصحابها لا يراه إلا من ابتلاه الله بقلة العافية والمعافاة ، وقد ذكرها الحبيب صلى الله عليه وسلم في قوله : (من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .

فالعافية هي أول ما يدعوك لتحمل كل المنغصات التي تعرض لك في حياتك والنظر لمصائب الآخرين ومقارنة مصابك بمصابهم هو الحجر الثاني في مواجهتك لتلك المنغصات وابتعادك عن جيوش المتسخطين وعدم مجالستهم هو الحجر الثالث الذي ستركب عليه قدر الصبر حتى تفوح منه رائحة الاحتساب .

وأكثر ما يثير العجب هو أن غالبية المتسخطين لا يكونون من المعدمين غالبا بل من متوسطي الدخل ولكن قربهم المكاني في حساب الطبقات من الطبقة العليا ربما هو من يجعلهم ينظرون لأعلى دائما متناسين أن من يبص لفوق تنكسر رقبته كما يقول المصريون .

تفاءل وانظر للحياة بعيني جميل حتى ترى الجمال يحيط بك متمثلا قول أبي ماضي : كن جميلا ترَ الوجود جميلا .

منصور الغايب