كتاب سبر

انت بالحضيض…جيد

الطب بقسمه النفسي يقرر لنا قاعده مهمه و حديثه بأن افضل طريقه للبدء بعلاج الحالات الصعبة هي اقناعها بأنها وصلت للحضيض وان اهمية العلاج لم تعد لوقف التدهور بقدر ما اصبحت لوقف الموت من الاقتراب اكثر فتكون ارادة الحياه هي الهاجس المسيطر في هذه اللحظة حتى اذا استنشق المريض اول نسائم ما بعد الحضيض تكونت في رئتيه ارادة التشافي فيذهب في طلب الحياه بلا سقف وهذا ما يفسر ان اعظم قصص النجاح كانت في حقيقتها ارتدادا من قاع الفشل وان نقطة انطلاقها كانت حضيضا ما وان كل خطوه للأعلى هي امان اضافي من الفشل اكثر مما هي مكسب اضافي من النجاح و مفهوم الامان هنا يوضح سبب النهم الذي يصيب الشعوب في ثوراتها و التسارع الرهيب للأحداث خلالها انها تبحث عن الامان بالابتعاد اكثر عن و اعلى و اسرع  عن حضيض ربما يعني الموت فالحديث هنا عن الحياه بأهميتها و ليس بجمالها فقط.

ومن الطب للسياسة ومن الفضاء العربي الى سماءنا في الكويت وهي بالمناسبة اول سماء لاحت فيها ايقونة الربيع العربي “ارحل” فلماذا تأخرت ارحل الكويتية عن شقيقاتها العربيات الاصغر سنا و الاصعب ظرفا ربما كان السبب ان ارحل عندنا عباره عن حركه احتجاجيه تستهدف التغيير داخل اطار النظام  ولا تستهدف النظام نفسه فاذا كانت الثورة هي العمل الاصعب فان الاحتجاج هو العمل الاطول الذي بدوره دخل مرحلة الجدية يوم الجمعة الماضي حينما التئم العديد من الناشطين لإقامة فعالية تحت اسم “جمعة الدستور” فبادرت الجهات الأمنية بإغلاق الساحة من كل الجهات بالحواجز و منع الناشطين من دخول الساحة رغم طلبهم المتكرر لذلك وانه حقهم كما اقره الدستور وهذا المشهد سبق ان تكرر مؤخرا فلا جديد ان يجد ما هو حق انه محاصر بما هو اقوى لكن في هذه اللحظة الفارقة تدخل المنطق العربي السائد هذه الايام فاليوم جمعه و المشهد عناصر امن و محتجين فايقن العقل الجمعي للناشطين ان هذه اللحظة هي الحضيض فلم يكن لشيء ان يمنع الارتداد من الحدوث وهو ما حدث فعلا حينما تحرك الناشطين نحو الشارع بدلا من الساحة المغلقة و بدأوا مسيره احتجاجيه على النسق العربي كانت بحسب قانون المرور في اتجاه عاكس للسير لكنها في دستور المحتجين خطوات في الاتجاه الصحيح  وهو الاحتجاج على النظام العام الواقع في الدولة و ليس النظام العام كما يجب ان يكون في الدولة وفي تحليل رمزية المسيرة ورفضها للمسارات و السير عكسها ان هذه الشوارع غير شرعيه وان اشارات المرور الخضراء لسين من السلطة و الحمراء لغيرهم هي الاخرى غير شرعيه وها هي حمراء وهو يتجاوزوها لتطأ اقدامهم تقاطعا كان من المفترض ان ينظم العلاقة بين مركبه و اخرى فاذا بخطوطه تتغير لتهدم العلاقة بين كل مركبه و اخرى و بين كل طائفه و اخرى لتكون النتيجة حوادث سير مفتعله يجد فيها الضابط فرصه ليسجل فيها مخالفه بحق الجميع “من هذه المخالفات يتم تمويل بقاء الحكومة” يتندر احد الناشطين على حكومة يصفها بأنها تشجعنا على السرعة والاصطدام ببعضنا كشعب لأنها تتحرك بالمواكب و تركب السيارات المصفحة ” قالها بانفعال هذه المرة فيرد عليه زميله ليعيد قليلا من الهدوء” نحن لا نكسر قواعد المرور هنا نحن نوقف حوادث سير مفتعله ” يستمران بالمشي وهما يرددان “الشعب يريد اسقاط الرئيس” أخذ المشهد رمزيته الكاملة و هذا الشعار يتردد اما مبنى مجلس الوزراء و اخر اللقطات كانت امام مجلس الامه حيث حطت المسيرة رحالها في احتجاج كامل على المرض و على الطبيب ايضا.

ومن امام مجلس الامه تم الاعلان عن جمعة أخرى لا يمكن التنبؤ بما سيحدث قبلها او خلالها واكيد لا يمكن التنبؤ بما سيحدث بعدها لكن لحظة الحضيض الكويتية حملت في طياتها رسالة أن العلاقة بين اي حكومة و شعب لا يمكن ان تصل لحدود الرومانسية و خطاب ” احبك اكثر من نفسي” انها تؤكد ان العلاقة بينهما علاقة مراكز القوى و خطاب ” احترمونا نحترمكم ”  بل احترموا هذا الدستور نحترمكم فهناك اخيرا من قرع اجراس التنبيه بخطواته…

خالد الجعفري
@khaledalgaafry

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.