كتاب سبر

بعُجَرِها وبُجَرِها

كفكف الله دمعتها حكومتنا السابقة وسقى نُجعتها فيضاً، وَمَلَأ كرعتها أيضاً، كلما سحابة مرت بالذي أقلّت ثم ولت، وكلما تفتحت وردة وكست بذْرها فذوت، وفَقَّحت شجرة وإستطالت ثم انحنت، وكلما صوت بشير، وزف عريس، وصاح ناعي.. لم يكن بها عَيْب تلك الحكومة غيرَ أنَّ رأسها به فُلولٌ منْ قِراعِ الكتائِبِ والاستجوابات ..


تلك الحكومة هي التي قال الوسمي “إن بقاءها إهانة” فلم تزل باقية، كأنها أعجاز نخل خاوية، وهي التي حولت البلد إلى ما يشبه حفلة زار، وصار من حولنا ينعتنا بدولة الزيران والغثيان، وهي التي خالفت حكومات العالم كله الديموقراطي منه الذي يتغير مع كل دورة، والمتدمقرط أحياناً، والمتشعبط بالكرسي كما يتشعبط الطفل بأمه، فهذي الحكومات كانت لشعبها كالظل يمشي أمامه فإذا مال عنها مشت خلفه، وحكومتنا جعلتنا شعب لا ظل له ولا حياء..


تلك الحكومة استقالت أو على الأصح غيرت ملابسها ورجعت ترتدي الثوب رقم 7؛ ثوب المستقبل من الأيام والكوارث.. ولن ننجرف أكثر وراء الرقم سبعة.. لنرجع إلى الخلف فإن أغبى كلمة قيلت هي “إلى الأمام” قالها أغبى رجل، لنرجع إلى السابقة “نُسَوِّقُها، كأنَّ قُرونَ جِلَّتِها العِصِيُّ”.. إلى الماضي نستلهم منه العِبرة وننبش قبرَهْ، ولماذا نفكر في المستقبل أصلاً ونحن غاصّون بالحاضر؟ ودونكم الشبيحة بعدما كانوا يتسعكون في الشوراع الخلفية، والقنوات المندسة، دخلوا إلى قاعة المجلس مع تبدل وجوههم وملابسهم ومبلغهم من الحلم… وموبقات الداخلية بعدما كانت “تجري كالوحش” في غرف مظلمة، وقلوب سوداء، وسيارات مظلَلَة، وأشخاص مظلِلَة، صارت تتم في مراكز التفتيش العابرة، وبعدما كانت تتقصد أبناء جلدتها كثيراً، وأبناء بطنها قليلاً، انتقلت إلى البدون، وكأنها داء ينتقل من جماعة إلى جماعة… وإمعات الأعلام قد تكاثروا فتناثروا كلما جاءت “إمعة” لعنت أختها!!!.. لماذا نفكر في المستقبل؟ فالذي يفكر في المستقبل يجب أن يكون قد هضم الحاضر، ونحن بالحاضر “قد غصصنا قد غصصنا!!”  ..


تلك الحكومة ملئت الكويت ضجيجاً وعجيجاً فما الذي حدث لها ولنا؟ .. الذي حدث لها أنها استقالت!! والذي حدث لنا أننا تعاملنا معها كما يتعامل الجمهور مع الكوميدياني الواقف (رجل يقوم بعدة أدوار على المسرح)، ثم سجلنا في مذكراتنا أنه في المعركة لا نحتاج إلى ذكي بقدر حاجتنا إلى شجاع ولو كان أهوجاً، وعندما نخطط لمستقبلنا فلنحذر الأهوج ونستعن بصاحب العقل ولو كان أجفل من نعامة، وعندما نكون مستعجلين ونريد اختصار الزمن في جملة فلنلجأ إلى حكيم صمته أكثر من كلامه، وفي سوق عكاظ لا بد أن يتكلم الإنسان حتى يرونه أو ) ليطقها لثمة ( ويخرج متسللا أكرم له، وأما عندما نريد قائداً فيجب علينا توفير هذه الصفات مجتمعة، يضاف إليها معين أمين وفي الحاشية كتبنا أن أبا المغلس (عنترة) ذاك الجاهلي الذي دوخ التاريخ، وكسر كبرياء أحراره، وأفحم شعرائه، وحطم أحلام فتيانه، وأحبط شجعانه بأحمرهم وأصفرهم وأسمرهم، لم يكن مجرد وحيد هائج في صحراء مقفرة … وإليه عني وهو يقول لمعينه قبل معركة: “لا تَسقني كـأْسَ المُدامِ فإنّـَها .. يَضـلُّ بهـا عقــلُ الشُّجـاع ويـذهَـــــبُ ” الله عليه ما أعقله، خذوا منه هذه الحكمة وعلقوها على مداخل قلوبكم، لأن القائد إذا جف ريقه في المعركة، وطرف عينيه وقع الحوافر، وتحلق الأعداء حوله يراقصون خيلهم، وينكزون برؤوس سيوفهم خاصرته، يجب أن يكون حاضر الذهن والرشد معاً لا مشتت أو مُظلل بفعل فاعل أو جهل جاهل.


zaid_alfaleh@hotmail.com