كتاب سبر

الميدان والدستور

بدون شك نجحت جمعة الغضب الثانية 27 مايو التي دعا إليها الثوار المصريون للتظاهر في ميدان التحرير لحماية ثورة 25 يناير العظيمة، والتأكيد على مطالب التغيير بعد أن سقط رأس النظام المتمثل في الرئيس المخلوع حسني مبارك وأسرته.. في حين لم يسقط النظام بعد..

.. نجحت جمعة 27 مايو في التأكيد على أن التغيير يبدأ بالدستور.. “الدستور أولا” من أجل دولة مدنية ديمقراطية حقيقية .. وهو ما يدعو إليه الثوار .. الثوار الحقيقيون الذين يسعون إلى وضع مصر على سلم الدول الديمقراطية بجد وذلك بدلا من “الترقيعات” الدستورية التي يتبعها أولئك الذين يحكمون ويديرون شئون البلاد الآن، وهي نفس الطريقة التي كان يتبعها النظام السابق وترزية قوانينه..

نجحت جمعة 27 مايو في كشف من يريد دولة ديمقراطية مدنية حقيقة ومن يريد الحصول على مكاسب سريعة على حساب مستقبل البلاد..

نجحت جمعة 27 مايو في كشف التماهي بين التيارات الدينية المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وقوى الإسلام السياسي في التماهي مع المجلس العسكري، واستخدام بعضها البعض في الانقضاض على مطالب الثوار ..

نجحت جمعة 27 مايو رغم موقف الترويع والترهيب الذي استخدمه  أولئك الذين يديرون شئون البلاد لمنع المصريين من النزول مرة أخرى إلى ميدان التحرير، وإصدارهم بيانا يحذر من “القلة المندسة” وعناصر مشبوهة و”أجندات خارجية” وراء تلك المظاهرات.. وأنه قد يحدث مواجهات بين المصريين وتحت دعوى الوقيعة بين الشعب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. ومع هذا نزل المصريون ليؤكدوا على حقهم في ثورتهم ودستورهم قبل الانتخابات فالدستور بمثابة الأب والانتخابات البرلمانية والرئاسية بمثابة الابن.. فمن يكون الأول؟!

لقد بات واضحا للمصريين أن جماعة الإخوان وقوى الإسلام السياسي التي تلتف حولها الآن عن الانتهازية السياسية التي تمارسها تلك الجماعة على حساب مستقبل هذا الوطن.. فهم يسعون دائما إلى التواجد بأي شكل من الأشكال.. والمحافظة على “يافطة” الجماعة.. ومن ثم لا تتعجب من وجود الجماعة منذ تأسيسها في عام 1928 وحتى الآن.. وهي تتحالف مع أي أنظمة حتى تحافظ على وجودها.. ولم يكن عندها أي مانع في التحالف مع نظام مبارك المخلوع مقابل السماح لهم بالتواجد حتى ولو كان بتأييد التوريث..

نجحت جمعة 27 مايو رغم الهجوم الشديد عليها واتهامات غريبة من قبل جماعة الإخوان والإسلاميين الجدد للداعين إليها والمشاركين فيها مرة بالليبرالية ومرة أخرى بالعلمانيين والشيوعيين.. وعودة السلفيين إلى أنها خروج على طاعة الحاكم وتكفير من يشاركوا فيها، وهي عودة إلى نفس الموقف الذين كانوا يتخذونه قبل 25 يناير.. وتغير موقفهم بعد سقوط جهاز أمن الدولة الذي كانوا يتحركون بأوامر ضباطه!

نجحت جمعة 27 مايو رغم تخلي المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن حماية الثوار .. وتركهم في الميدان يحمون أنفسهم ..

نجحت جمعة 27 مايو رغم استخدام الذين يديرون الحكم بالإضافة إلى قوى الإسلام السياسي واستعادتهم لإعلامهم الذي كان يسيطر عليه النظام المخلوع من صحافة حكومية وتليفزيونية ومحطات فضائية خاصة.. بالإضافة إلى قناة الجزيرة التي كانت في تغطيتها أقرب إلى التليفزيون المصري في أيام ثورة 25 يناير..

لقد كانت فضيحة كبرى لتلك القناة التي وضعت كاميراتها بعيدا عن حشد الجماهير في ميدان التحرير .. واستضافتها للمعارضين لتلك المظاهرات وإقصاء من دونهم .. لتفصح القناة التي كانت محرضة على الثورة عن موقفها الآن .. وعن من يديرها!!

نجحت جمعة 27 مايو في إعادة الثقة إلى المصريين في قدرتهم الجماعية في صنع ثورة .. وفي استطاعتهم أن يستكملوها ..

يا أيها الذين تديرون البلاد .. المصريون يريدون الدستور أولا.

كاتب وصحفي مصري

رئيس التحرير التنفيذي للدستور الأصلي