كتاب سبر

صفحنا عن بني ذهلِ “يا عادل”

“إن في السماء خبرا وإن في الأرض عبرا” وإننا عالقون بينهما منذ ست سنوات، حتى التراب الأترب، وذلك المجلس الأشذب (مقصقص الجوانح)، أبوا إلا أن يشاركونا العلقة، ومؤشر الحرارة هو الآخر راح يتسلق إلى ما فوق الـ 60 يفعلها في الصيف – كما أوهمنا- ولكنه يمكث هناك بقية العام، وفي يوم واحد يصيح ويقفز إلى ما تحت الصفر، لا يحترمنا .. لأننا مخلوقات جاوزت مرحلة التصحر، نحن في طريقنا إلى التبخر أو التجمد (والتبلد)..
وفي ظل هذه الأيام التي لا ظل لها، ولا شيمة، ولا قيمة، ونحن نمسح عرق وجوهنا، ونتقي الغبار بأيدينا، ونستعيذ بالله من وعثاء البشر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في الأهل والبلد.. قطع عنا الماء، وسرق البنغالية أغطية البيارات، وخرجت الجعلان تقيم العلاقات والحلقات في كل زاوية ومصطبة ” و لا قال لهم حد اختشوا .. عيب .. حرام .. و لا حد قال دي علاقة متندسة ..” على قول جاهين.
والكويتيون شعب متطهر، أو هكذا كان، يغسل يديه وأفكاره في اليوم خمس مرات، فلما قطع عنه الماء “إبتلش” بنفسه، كما “إبتلش” جيرانه بطفح المجاري، وبقوم مكاري.. وخذوه عينة “ثم غلوه” ذياك الذي ولغ في شيء ثم قاءه علينا، وقام يهلوس بأن الكويت ستحتاج درع الجزيرة لقمع القبائل، وما درى أن القبيلة لا يقعقع لها بالشنان، وما تلى أن آية عزهم الوفاء، فإن طمست ضاعوا وضاعوا جميعاً، وما سمع أنهم عقدوا على المروءة، يكسونها خبزتهم، ويحذونها شربتهم، ويركبونها خيلهم، ويستحفظونها رماحهم، فإذا جن الليل طبطبوا عليها وأناموها بحضنهم.
ولا يستكثرن كريم علينا ذم أمثالهم.. فقد كذب العرب ولو صدقوا بأن “البادي أظلم” على وزن أفعل، لأن البادي ظالم على وزن فاعل لوحده، وجاهل لوحده، ويحمل قبحه على ظهره لوحده، وقد ذم المتنبي أهيل زمانه فصفق له التاريخ وهو واقف بأن َأَعلَمُهُم فَدمٌ، وَأَحزَمُهُم وَغدُ، وَأَكرَمُهُم كَلبٌ، وَأَبصَرُهُم أعمى، وَأَشجَعُهُم قِردُ… ثم وضع سرجها على ظهرها وأردفها قوله “ومن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يرى .. عدواً لهُ ما من صَداقَتهِ بُدُّ”  وقال انطلقي فما زالت منذ 1000 سنة وهي تركض في ألسن الرجال وعقولهم، قال قوله في أهيل زمانه وفيهم أبو فراس الحمداني التغلبي “صاحب أراك عصي الدمع شيمتك الصبر” قالها وأهيل زمانه لو التقطت أدناهم من السوق ووضعته في كفة ميزان، وأخذت شطر أهيل زماننا برجالهم، وبغالهم، ووضعتهم في الكفة الأخرى لطاشت بهم كفته وقذفتهم في الحاوية.  
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى وريقة تلعب بها أموال الرجال وأهوائهم تتهوك على شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، نكد على نكد  ومثلنا يتنكد.. وغثىَ يزيد وأحلام تتبدد.
وقبل فترة شغب أحد المراهقين على السعودية، فأومئ جبل سلمى برأسه وحوقل ثم التفت إلى أهله الذين عنده، وقال هذا التشغيب إنما هو بضاعتكم ردت إليكم فمن غيركم -قالها يخاطب أهله- قسم السعوديين إلى أصيلين وطروش بحر، فحكيتُ له أن هذا ليس بضاعتكم ولكنه إنتاج محلي صرف -بعمر حكومتنا- موجه لفئة من الكويتيين جلبوا طهارتهم وأصالتهم منكم، لأنها بضاعتكم، فما قام به “الولد التافه” ليس بضاعتكم فبضاعتكم شمري -هنا- جده من أوقد النار على طود طي، ومطيري أبوه من تنبت خزاماكم على جمجمته، وعجمي عشق وديانكم كأنه ذئب، وخالدي ملك في زمانه كل شيء من الإمارة حتى بيض الحبارى، وعنزي إذا سمع الحندة غاب عن الوعي والمدينة أسبوعا كاملاً، وقحطاني تتأوه الأرض من عمق عروقه، وهاجري، ودوسري، وعتيبي… وعبدالله خلف الدحيان شيخ الكويت الأكبر، وأديبنا المتنقل المتبتل عبدالعزيز الرشيد ولد بالزلفي وعاش بالكويت ودفن بجاكرتا (عولمة سعودية)، والحنبلي الزاهد محمد بن جراح “بن باز الكويت”، وهلال فجحان شاهبندر الخليج والمحيط في وقته، والمارشال مرشد بن طوالة، وقافلة طويلة تجر ذيلها خيلاءً… هذه بضاعتكم، وبصفتي كويتياً “يتعفر” و “يتمعر” لو اقترب من حماكم الطاهر جعران أو خنفسة، فإني أعتذر عن الأذى الذي سببناه لكم، وأعدك أننا سنصلح الوضع بأقرب وقت، فاحلموا علينا إلى أن نستعيد أغطية المجاري، فابتسم وقال “…… ولكني أحبكم وأحب بلدكم”.
zaid_alfaleh@hotmail.com