كتاب سبر

مقال ساخن
الخليج بلاد المؤمنين (2)

د. عبيد الوسمي يكتب الجزء الثاني من مقاله السابق (الخليج.. بلاد المؤمنين) والذي أحدث ردة فعل واسعة ما بين مؤيد ومعارض لما ذهب إليه الكاتب في مقاله الأول. سبر ترى في الجزء الثاني مقالاً ساخناً مكملاً للجزء الأول:

الحمدُ لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِه.
أمّا بعد:

نشر في يوم الاثنين الماضي في هذه الصحيفة رسالة كانت قد أرسلت قبل ما يزيد عن شهر للناشر الأستاذ محمد الوشيحي من باب المداعبة , حيث أعقبها إرسال عدد من المقالات التي نشرت تباعا , إلا أن هذه الرسالة قد نشرت بعد ذلك دون إخطاري بنشرها و رغم جاهزية مقال آخر للنشر في موعد نشره الأسبوعي المقرر ( الثلاثاء), و لعل أسلوب كتابة الرسالة هو ما دفع الزميل  المذكور بحسه الصحفي للمبادرة بنشرها و حتى قبل الموعد المقرر لنشر المقال الأسبوعي و نحن نحسن الظن في دواعي النشر .علاوة على ذلك فإن الفكرة التي أردنا إيصالها كانت محل نقاش دائم , مما يعني أنها ستصل للقراء في جميع الحالات ,و لسنا أول من تطرق للموضوع , وعلى كل حال فالموضوع كان و لا يزال محلا للنقاش لا يقتصر نطاقه على دول الخليج فحسب بل يعتبر مسألة قابلة للطرح و في كافة المنابر الإسلامية.

و مع ذلك فإن مضمون الرسالة( المقال) كان نقدا للخطاب الديني الموجه سياسيا و من واقع مشاهدات لما يجري في محيطنا المحلي و العربي و الإسلامي وهو أمر تحتمه حاجات التفاعل مع الأحداث الإقليمية التي تستوجب في رأينا تسليط الضوء على بعض المظاهر المصاحبة لها نظرا لأهميتها التي تستدعي التوقف و التأمل في مضامينها و مسبباتها و آثارها , مما يجعل تجاوزها من الناحية الشرعية أو القانونية أمرا مثيرا للدهشة وداعيا  للاستغراب. و لعل ما حدث في مصر ويجري في ليبيا و اليمن و سوريا و غيرها من الأماكن من ثورات شعبية نشأت بسبب ظلم السلطة و استبدادها وما صاحبه من  مواقف لرجال الدين وما نشأ عنها من انعكاسات على نظرة العامة للدين و المتدينين ,هو ما جعلنا أكثر حرصا على تناول الموضوع بدافع الخشية على الدين و منع المتاجرة به إرضاء لسلطة أو مال.

و بداية أود الإشارة و التذكير أن نقد الممارسات و الشخصيات العامة الدينية ليس نقدا للدين فنقد سلوكيات الشخصيات الدينية و مواقفهم لايجوز ربطها بالدين في جميع الحالات. فالفرد وإن علا شأنه وعلمه ليس معصوما و لا منزها عن الخطأ , كما أن حقيقة المقصود من ذلك السياق هو طرح تساؤلات لمن يجب عليهم المبادرة  في إنكار منكر عظيم وكان المقصود هم البعض من رجال الدين الذين غالبا ما تعلوا أصواتهم في صالح السلطة مستندين في تبرير جرائمها إلى آراء شرعية وتفسيرات للنصوص الشرعية تحرف الكلام عن مواضعه بل و تصدروا بآرائهم المبرأ منها الدين واجهة الأحداث السياسية. كما فعل مفتي سوريا في لقاء مصور في قناة الجزيرة  أتمنى من الجميع مشاهدته, مدافعا باسم الدين عن جرائم النظام السوري مستخدما القواعد الشرعية وسيلة لهذا الخروج السافر على أحكام الشرع.

إلا أن الغريب أن هؤلاء قد أمتنعوا بلا مسوغ عن إبداء الرأي في ما يحدث محليا و إقليميا خصوصا ما يحدث في سوريا من أعمال إجرام غير مسبوق في حق أفراد عزل حتى بلغ الأمر الى القتل الجماعي للأبرياء و التعدي على الأعراض و المنع القسري لصلاة الجمعة وإغلاق للمساجد في بعض المناطق ,ولما كانت هذه الأعمال هي في حقيقتها خروج واضح على أحكام الدين, فتصورت كغيري من الناس أن مثل هذه الظروف تستوجب استنطاقهم بما يجب عليهم النطق به جريا على عادتهم في التصدي للأحداث العامة و انطلاقا من واجبات التكليف الشرعي بانكار المنكر. إلا أن المفاجأة هي الصمت شبه التام بل و الإنشغال بطرح مسائل جانبية لاتمثل شيئا بجانب هذه الأمور العظام , و منها انشغالهم في مناقشة ما يكتب في “سبر” في حين أن ما يحدث في سوريا ليس مهما.!! أو انتظارا للتعليمات !. 

 و مع ذلك فإننا لا ننكر ما يقوم به آخرون من رجال دين معتبرين كان لهم آراء واضحه  و معتبرة إزاء ما يحدث إقليميا بل ووجهوا بدورهم نقدا للخطاب الديني الموجه سياسيا , وبما يعني أن الحقيقة لا يحتكرها أحد مالم يكن الأمر متعلقا بأصل من أصول الدين  الذي لا اختلاف حوله ,وهو مالم يكن موضوعا لتلك الرساله من قريب أو بعيد. و نذكر في هذا المقام ما ذكره الشيخ القرضاوي ، الذي وصف المشايخ الذين أفتوا بحرمانية الثورات والتظاهرات العربية، بالنفاق والحرص على إرضاء الحاكم، وقال إن هؤلاء المشايخ ينطبق عليهم قول الله تعالى، “اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا”.

كما استنكر الشيخ القرضاوي، فتاوى بعض المشايخ، باعتبار الثورات خروجا على ولى الأمر، “وتساءل باستنكار، أي ولى أمر؟ وهو الذي أشاع الظلم والاستبداد والقهر. وقال، إذا كانت المفسدة صغيرة، والمصلحة كبيرة فيجوز تقديم المصلحة على المفسدة”. حيث أكد الدكتور القرضاوي وهو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن ما يحدث فى الوطن العربى من ثورات شعبية ضد الظلم ليس من قبيل المؤامرات والفتن التي يزعمها “مشايخ السلطان” “تعبير استخدمه الشيخ القرضاوي”، مؤكدا حض القرآن الكريم والسنة البنوية المطهرة على التصدي للظلم والسطان الجائر، خاصة بعد أن طفح بالأمم العربية الكيل من حكام دام ظلمهم أمدا طويلا.

وبين  الشيخ القرضاوي خلال خطبة الجمعة قبل الماضية من الدوحة، عن غضبه من الأئمة ودعاة العلم الذين يسيئون استخدام الدين بسوء فهمهم له من ناحية ولإرضاء الحاكم من ناحية ثانية، مذكرا إياهم بأن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة. وأكد أن المزاعم التى تنتشر لوقف الثورات بدعوى “درء المفسدة لجلب المصلحة “غير صحيحة، منبها على أن الثورات وراؤها خير وليس مفاسد، ومشددا على ضرورة رفع المظالم وأن تصل الحقوق لأهلها وأن يحكم الحكام بين الناس بالعدل. وفي المملكة العربية السعودية ذكر الشيخ  صالح اللحيدان عضو هيئة كبار العلماء جواز دفع الظلم في سوريا و أجاز الخروج على حاكمها  ووصف الدولة السورية بـ”الفاجرة الخبيثة الخطيرة الملحدة”، داعيا “للجهاد” لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. كما أجاز ذلك في الكويت الشيخ عجيل النشمي وهو من رجال الدين المعتبرين علما في الكويت.

خلاصة القول أننا في هذه الأمور لم نأت بجديد بل ذكرنا مانؤمن به من حق الناس في رفع الظلم و حقنا في إنكار ما نراه منكرا  وإعلاء لكلمة الحق لرده لأصحابه و رفع الظلم عن المظلومين من منطلقات شرعية و قانونية أيضا. أما في الجانب الآخر و هو الإدعاء بشبهة الاستهزاء بالدين فأقول معاذ الله أن أكون كذلك و معاذ الله ان أكون من المستهزئين, فالغاية كانت لفت الأنظار لما نرى أنه أمر عظيم يستحق من الأمة بحثه و إبداء الرأي فيه لا تجاهله و إنكار وجوده بأسلوب قد يدفع الناس للمتابعة و من ثم الانتباه لعظم الأمر. وكانت هذه هي الغاية النبيلة التي أردناها و إنما الأعمال بالنيات. 

 أما من دلل على ذلك باستخدامي لفظا “كحي على الفلاح” باعتباره صورة الإستهزاء في إعتقاده ,وأعوذ بالله أن يكون ذلك مقصدي فأقول أنه وإن كان “حي على الفلاح” من الفاظ الأذان إلا أن اللفظ قصد بمعناه اللغوي لا معناه الاصطلاحي , ذلك أن الفاظ الأذان تستخدم في أغراض الحديث المختلفة كقولنا “الله أكبر” في مواضع عديدة من الحديث  و قولنا اشهد أن لا اله إلا الله , و أشهد أن محمدا رسول الله,  بل أن منها ما ذكر شعرا و نثرا وهو ما يسمى في  اللغة بالاقتباس ,والاقتباس هو تضمين الكلام – نثراً كان أو شعراً – شيئاً من القرآن أو الحديث، من غير دلالة على أنه منهما، أي بأن يكون خالياً من الإشعار بذلك، والإشعار به كأن يقول: قال الله كذا، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  وألفاظ الأذان ليست من ذلك. ولذلك فقد كتبنا هذا التوضيح لا ردا على أحد ,لكن أردنا التوضيح لمن يريد المعرفة حقا, ممن نحسبهم  انشاء الله من الصالحين.

 أما جنود السلطه و أتباعهم من غير العلماء المعتبرين فلا يعنيني أصلا رأيهم فهؤلاء سبق لهم الهجوم مرارا و تكرارا على علماء و رجال دين أيضا كالشيخ سلمان العوده و الشيخ القرضاوي و غيرهم الكثير, لمجرد إبداء رأي يتعارض مع السياسات الأمنية الذين جندوا لخدمتها لا لخدمة الدين كما يدعون و يصورون أنفسهم, فالمسألة بالنسبة لهم  تكليف أمني لا شرعي. وأما استخدامهم لمظاهر التدين  فما هو إلا وسيله تكسب وأداة من أدوات النصب شأنهم في ذلك شأن البعض من مفسري الأحلام و المعالجين بالقرآن ممن لايملكون علما و لا دراية تؤهلهم لذلك ,فجعلوا من آيات الله وسائل للسرقة و الإحتيال و أضعفوا الثقة المفترضة في الدين و المتدينين, وشتّان ما بين تديُّن حقيقيٍّ وتديّن مظهريّ،. و نقول لهؤلاء كفاكم دجلا و كذبا باسم الدين والدين منكم برئ و لسنا بحاجة لذكر الأمثلة فهي لا تخفى حتى على عامة الناس,  وفيهم يقول الرسول  : ((إنّ الرجل ليعمل عملَ أهل الجنّة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإنّ الرجلَ ليعمل عملَ أهل النّار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنّة)) وهو حديث يصِف هذه الفئة من النّاس، ممن تخالف ظواهرُ أحوالهم خفايا نفوسهم.

وختاما نقول ما يقوله الرسول  “الدين النصيحة” و التي عظم الله مكانتها من الدين و جعلها وظيفة من وظائف انبياءه المرسلين إذ يقول الله عز وجل على لسان سيدنا نوحا مخاطبا قومه” أبلغكم رسالات ربي و أنصح لكم”. فإن أصبنا في ما ذهبنا اليه فحمدا لله و إن أخطأنا ,فإنما بشر يخطئ و يصيب و قد أخطأ من هو أكرم عند الله منا ، و الحمدلله على كل حال.