كتاب سبر

هل الجمهور عاوز كدة؟

لا شك أن الحديث عن الدين منطقة محظورة, كما أن الحديث عن الطائفة أشبه بالسير على حد السيف، لكن الارض الخصبة تغري زارع الشر بغرس بذوره، فمن ينظر الى الكويت اليوم سيجدها ارضا خصبة، وثرية لهكذا زراعة, ولا ينقصها الا الأدوات، وما عليك الا أن تبحث عن أي مقال يتحدث عن المذهبية فترى كمية الشتم المتبادلة بين الطرفين, او حتى إلى كاتب المقال “وهذا ما لا أتمناه هنا بالطبع”.
 
فاللعب على الورقة الطائفية بالإستناد إلى اعتقال المغرد “ناصر ابل” على خلفية ما كتبه في تويتر” من اساءات  لحكام الخليج ورموز دينية, وما رافق هذا الإعتقال من شد وجذب، وأدى إلى استرجاع روح الطائفية، واذكاء نارها .كان نتيجته أن الخلاف أوجد منطقة وسطية بين الطرفين, تمثلت بالدعوة إلى الالتزام بالقانون، والمدة القانونية لاحتجاز المتهم، لكن لم يسلم من وقف في هذه المنطقة من التعرض لسهام المتعصبين من الطرفين لأسباب معروفة، تتلخص باسقاط الصبغة الطائفية على كل الأمور، ومن هنا أقول إن الأمور في الكويت وصلت إلى حد لا يطاق, وصارت رائحة الكراهية في أجوائه تنبعث مع كل نَفَس، و اضحى الكره هو الانطباع الأول للكويتي في تعامله مع الآخر حتى يثبت العكس.

سقطت ورقة التوت الأخيرة عن المجتمع الكويتي, و صار يخرج علينا بين الفينة والأخرى بعض مسؤوليه، ومن الطائفتين, ليقول لنا ان الطائفية غريبة، ودخيلة على المجتمع الكويتي، يا سادة هذا كلام غير دقيق,فقضية المغرد أبل ليست وليدة اللحظة بل هي صناعة كويتية من ألفها إلى يائها، فخروج ثلاثين شخصا مدافعين عن ناصر، واحتجاجهم أمام أمن الدولة، ودخول بعض النواب على الخط ضاعف حال الإحتقان, بالمقابل قام الطرف الآخر من القضية بتصعيد وتيرة الخلاف، فأضحت القضية صراعا كويتيا محليا بامتياز, وليس مستوردا من الخارج, وانتفت عنه فكرة الاقليمية، رغم انه جزء من مشكلة تمر بها المنطقة العربية, والمعضلة المشتركة التي تتربص بالجميع ,فالعراق يعاني من احتقان طائفي، وعرقي بين العرب والكرد، مصر أيضا ليست بعيدة عن هذا النفس المزكوم، والذي طفح بعد غياب المرجعية السياسية، وظهر جليا من خلال الصراع بين الأقباط والمسلمين.

 وأطرح هنا تساؤلا عليك ايها القارئ: لم التطورات والحراك السياسي يقابلهما تحرك غير بريء,وهو إما طائفي أو قبلي؟.

فالملاحظ حتى في ربيع الحركات العربية,في تونس مثلا بعد الثورة دخل الاسلاميون على الخط، وبدأ الحرس القديم من أنصار بن علي في تخويف المجتمع بأن حال الانفتاح، وحرية المرأة، ومظاهر التقدم ستصلب على أيدي الاسلاميين الرجعيين، وفي مصر كذلك برزت بعد ثوره الخامس والعشرين من يناير, حال التعصب الطائفي، وترجمت بمواجهة  بين الأقباط والسلفيين، ووصل الأمر الى الدعوة لاطلاق “مشروع المليون لحية” الشهير قبل الحديث عن التنمية ، أيضا في سوريا ما يحدث هناك من تحريف لثورة الشعب السوري من أنها مطالبات شعبية مشروعة  الى صراع بين الجماعات الاسلامية والنظام, أو حسب ما يروج له البعض انها حرب علوية – سنية، وصولا إلى ما حدث في البحرين من احتجاجات سياسية بحتة شارك فيها السنة والشيعة, ثم تحويلها الى مطالبات فئوية طائفية، وأخيرا محاولة اظهار المطالب الكويتية بانها صراع بين القبيلة والسلطة.

إن مقولة “المساواة في الظلم عدالة” , التي اثبتت فعاليتها في العصور القديمة,حين لم يكن الإنسان يعرف معنى الحقوق والواجبات، فيرتضي بحال القمع من أجل دفع الضرر عنه وعن مجتمعه، هي ذاتها التي حركت غضب شعوبنا اليوم, بعد ان استعذبت الحكومات الفكره في تبقي علي حال التضييق بداعي التخويف من زعزعة اللحمة الوطنيه، لكن غياب مفهموم الدولة يبرز مقابله مفهموم الانتماء للمذهب، أو الطائفه، أو القبيلة، داحضة مقولة “الحكومة ابخص”.

فكرة  تنبهت لها أذهان وزرائنا, لذلك نهضوا من سباتهم وارتدوا عباءة الوطنية من جديد، وأصدروا قوانين بتجريم التحريض الطائفي، وتغريم، أو سجن من يذكي الروح الطائفية بين الأفراد, لكن هذه الخطوة تحمل اوجه عدة, فالقانون يخشى عليه ان يستخدم تعسفا بغية تكميم الأفواه، ومن يضمن لنا ان هذا القانون لن يتحول في الفتره القادمة الى خنق للحناجر بداعي السلامة الوطنية، رغم أن هذه الخطوة أتت متأخرة الا انها مهمة جدا في هذا الوقت كونها  تحد قليلا من حال الاستشراء الطائفي في المجتمع عن طريق القانون, بعد أن كانت الخطوات الحكومية تأتي في إطار الحلول “الأخوية” لرأب الصدع،  وتجاوز الخلاف, وإظهار الخصوم لاحقا في صدر صفحات الجرائد يحلون خلافاتهم عن طريق العناق، وتبادل القُبلات أمام عدسات الكاميرات.

أعتقد ان الحل يكمن أولا في ايقاف النغمة المتداولة اننا لا نعرف الطائفية, فالاعتراف بوجود المشكلة يسهل علينا معالجتها, ومواجهتها هو جزء من حلها, ومعرفة أن الشريحة المتضررة من هذا كله هم ابناؤنا، و جيل الشباب الحالي, بالاضافة إلى الكف عن ممارسة سياسة التخوين، وبذلك فقط يمكن لنا أن نتلمس أول خيوط المعالجة,  وعليه نحن بحاجة الى قرار سياسي واضح من رأس الهرم السلطوي لمراجعة المناهج التربوية، وتعزيز الروح الوطنيه، ومن ثمة ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية قولا وفعلا في اطارها المسموح قانونا دون التعدي على الاخر وفق ما كفله الدستور وتعزيز دولة القانون ليكون الكل سواسية امامها.

اضطلاع الدولة بمسؤولياتها  والتزامها بالقانون ووقوفها بمسافه واحدة من جميع الاطراف يرفع الغبن عن أي فرد فيها ويحور المقوله “المساواة في الوطن عدالة” ، هنا يبدأ دورنا كمؤسسات، وأفراد المجتمع المدني من تطهير نفوسنا، وليس ابرز من موقف مسلم البراك الذي ترفع عن مهاترات النواب، و دافع عن الإنسان في هذه القضية فهو لم يصدر حكما علي ناصر ابل، بل طالب بحقه ككويتي أن يمثل امام القضاء، واعطاءه فرصة الدفاع عن نفسه هنا أصاب مسلم، وأخطأ بعض محبية من ذهابهم الي أن موقفه لم يكن موقفا شعبيا، فالبراك انتصر لمبدأ الحقوق والواجبات، ولم يلتفت الي الخساره بتجاهله لمطلب “الجمهور عاوز كده” .