كتاب سبر

القبيلة في القرن الواحد والعشرين

في مقالي السابق عن القبيلة، وصلتني ردود كثيرة  متباينة، وكان من ضمنها إتهامي  بأنني قسوت على القبيلة، وأنني ناقم عليها، وبما انني إبن للقبيلة، وتربيت ونشأت وسط ثقافتها.
 كنت راغبا في ذلك المقال إلقاء لمحة بسيطة على بعض من سلبيات القبيلة، ومن ثم البحث عن الحلول لها، والتوسع في ذلك   لأنها بشكلها الحالي أحزن عليها، وأتمنى تطويرها بشكل يواكب الوقت، ليس لشيء، وإنما لأن القبيلة شوٌهت، وثقافتها لم تعد كما كانت بالسابق، كما أن الوقت الراهن لا يقبل الجمود، فإن لم تتطور القبيلة كحال أي منظومة داخل المجتمع، فإنها بكل تأكيد ستكون عثرة في طريق تطور.
 
القبيلة في السابق كانت منظومة إجتماعية رائعة، في أخلاقياتها، وفي هيكلها بشكل عام ، فكان صاحب الحكمة، والأخلاق الحسنة ذو قيادة  في داخل القبيلة، وكانت معظم المنافسة بين الأفراد داخل إطار الخلق، وكما أن أغلب أعرافها مستمدة من التشريعات المدنية الراقية المستمدة من الحاجة، وغياب القانون المدني, ولأنها في ذلك الوقت كانت مرنة، وتستجيب للمتغيرات فقد كانت حساسة لحاجة الناس لسن الأعراف، والأنظمة الإجتماعية التي يتفق عليها.
 
ولكن وضعنا الحالي، وفي ظل وجود دول ذات سلطة سياسية، ومع تغير الوقت فمن المفترض أن القانون الحديث هو الوسيلة الأوحد في تسيير المجتمع، وضمان سلامته ورقيه, ومن ضمن ذلك سقوط أي قانون قبلي يتعارض مع القانون العام، ويهدد سلطته المطلقة، أو يستثني أحد المنضوين تحته من تطبيقه.
 
وللأسف ان الحاصل الآن غير ذلك، فالسلطة السياسية أحيانا تتغاضى عن بعض الأمور داخل القبيلة في أماكن، أو تستغلها في تطبيق أجندتها للبقاء، والاستمرار في سدة الحكم في أماكن أخرى.


ومن ضمن ذلك استغلال بعض خصائص القبيلة في تسييس وضعها ، إذ أنه حتى منصب الشيخ مثلا أصبح يعطى بالغالب وفق معطيات يراها السياسي، وليس وفق نفس المعايير السابقة للقبيلة، وهنا نقض أحد أهم أعمدة النظام القبلي. أما في الجهة المقابلة جندت النعرات القبلية حسب الحاجة لإلهاء الشارع عن المهم، وما يجدر به متابعته, وأذكت نارها بالمسابقات الشعرية، وجمال الإبل مثلا.


وبما أن القبيلة لا زالت قائمة، ولكن بشكل لا يخدم المجتمع، وتطوره، ورقيه كان واجبا على أبناء القبائل من المثقفين، والمتعلمين التوسع في عمل البحوث، والسعي لإيجاد الحلول لتطويرها بشكل يجعل منها فاعلة، وبناءة في المجتمع، و ألا تبقى عنصرا من ضمن عناصر السياسي يتلاعب بها كيفما شاء، لتكون أقلها مؤسسة مدنية فعالة  يكون لها موقفا واضحا  في جميع الأمور داخل الدولة، ويكون ذلك وفق معطيات حضارية تكون الديموقراطية حاضرة فيها ليصبح شكل القبيلة، ومضمونها أجمل، وتكون جاهزة للتعاطي مع الأحداث داخل مجتمعها، وخارجه بروح حضارية مؤثرة.
خاتمة: التغني بالماضي دون وجود حاضر يتوفق عليه، يؤكد أن هناك نقصاً في الذات داخل من يفعل ذلك.