أقلامهم

أحمد الديين يؤكد وجود أفق بدأ ينفتح ولابد من اقتحامه لإحداث إصلاح ينطلق من الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية التي كفلها “دستور الحدّ الأدنى”

العمل السياسي في الكويت يعاني قصورا فاضحا على أكثر من مستوى، بما في ذلك لدى التيارات السياسية نفسها… فعملها السياسي أصبح أقرب ما يكون إلى رد الفعل منه إلى الفعل، فهناك أحداث وتطورات تفرض عليها اتخاذ مواقف وتحديد اصطفافات غالبا ما تكون ضمن حسابات وقتية، وذلك في غياب التحليل الملموس للواقع الملموس، وفي ظل انعدام وجود برامج سياسية واضحة.
لقد أصبح العمل السياسي منحصرا، أو لنقل أصبح متركزا في النطاق البرلماني وحده وضمن آلياته ومحدداته، فيما تمّ تهميش العمل السياسي المنظم؛ وإهمال العمل السياسي في صفوف الجماهير بهدف رفع مستوى وعيها ومحاولة خلق رأي عام شعبي وتعبئته وتنظيمه والاعتماد عليه في التحرك من أجل الإصلاح والتغيير.
ومن حيث المحتوى فقد تاه عمل معظم التيارات السياسية في التفاصيل والجزئيات ومتابعة الأحداث المتلاحقة من دون أن تكون لديها رؤية تستند إليها وقضايا عامة محورية تسعى إلى طرحها… إذ اقتصرت السياسة على الموقف من هذا الاستجواب أو ذاك، وتركيز التحرّك ضد شخص قد يكون عنوانا للفشل وسوء الإدارة والفساد، ولكن من الوهم افتراض أنّ ابتعاده يمكن أن يفتح الطريق أمام الإصلاح المنشود والتغيير المأمول، لأنّ العلّة أكبر من أشخاص، فهي تكمن في النهج السلطوي وتعارضه مع متطلبات التطور الديمقراطي، وبالتالي فلا يمكن إحداث إصلاح سياسي أو تحقيق تغيير ديمقراطي من دون مواجهة مثل هذا النهج أولا وقبل كل شيء، وهذا ما يفترض أن يتجّه نحوه العمل السياسي الجاد والمنظم.
ومن حيث العناوين فإنّ هناك العديد من القضايا والاستحقاقات التي يمكن بلورتها وطرحها كأجندة يمكن الاتفاق عليها للإصلاح وكمداخل مطلوبة للتغيير، ولكن المؤسف أنّ العمل السياسي السائد منصرف عنها ولا يشير إليها إلا بشكل عابر في بعض المواقف والمناسبات… فهناك الحاجة إلى تنظيم الحياة السياسية وإشهار الأحزاب… وهناك متطلب إصلاح النظام الانتخابي لمعالجة الاختلال الصارخ في توزيع أعداد الناخبين بين الدوائر الخمس؛ وضرورة وضع سقف للإنفاق الانتخابي والرقابة عليه، ومناقشة البدائل المطروحة في شأن الدائرة الواحدة واعتماد نظام القوائم واعتماد نظام التمثيل النسبي بدلا من النظام الأكثري… وكذلك لابد من رفع الوصاية السلطوية المفروضة على مؤسسات المجتمع المدني في إطار قانون جمعيات النفع العام وإطلاق حرية تأسيسها ونشاطها… وهناك استحقاق إصلاح قانوني المحكمتين الدستورية والإدارية، بحيث يتمكن المواطن من اللجوء مباشرة إلى القضاء الدستوري للطعن في القوانين المتعارضة مع الدستور ومن الطعن أمام القضاء الإداري في القرارات الحكومية الجائرة من دون تحصين لبعضها، مثلما هي الحال الآن.
وغير هذا وذاك فهناك أفق بدأ ينفتح لابد من اقتحامه للبحث في إمكانية إحداث إصلاح دستوري ينطلق من الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية التي كفلها “دستور الحدّ الأدنى” بحيث يتم الانتقال من الحالة الوسطى بين النظامين البرلماني والرئاسي إلى النظام البرلماني الكامل في إطار الإمارة الدستورية، وهو الأفق الذي انفتح الآن في المملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وفي الوقت نفسه هو الأفق الوحيد أمام تطور النظام الديمقراطي في الكويت مستقبلا، وهذا ما يتطلب طرح الدعوة بلا خوف أو تردد لتنقيح الدستور في اتجاه ديمقراطي بما ينهي عضوية الوزراء غير المنتخبين في مجلس الأمة، ويفرض حصول الحكومة على الثقة المسبقة من مجلس الأمة في بداية تشكيلها، وينهي التحصين المبالغ فيه لمنصب رئيس مجلس الوزراء تجاه المساءلة الدستورية، بحيث يمكن طرح الثقة به وعزله في حال عدم حصوله عليها، وليس فقط طلب عدم إمكان التعاون معه، من دون ربط ذلك بالخيار التحكيمي الحالي لحلّ مجلس الأمة أو إعفاء رئيس مجلس الوزراء.
هذا ما يفترض أن يتجّه نحوه العمل السياسي الجاد بدلا من مواصلة العبث الحالي المسمى زورا وبهتانا بالسياسة وبالعمل السياسي!