كتاب سبر

المنبطح بأمر الله

وقف أحد باعة الخضروات ـ في عصور المسلمين المتقدمة ـ وهو ينظر إلى بضاعته الكاسدة، حيث لم يقف على باب دكانه أي زبون..

وهو غارقٌ في حسرته، وعينه على صناديق الباذنجان المكدسة، ولا مهمة عنده إلا هش الذباب عن وجهه، أو طرد القطط الضالة عن باب دكانه، خطرت في عقله فكرةٌ شيطانية..!

فقام على الفور أمام دكانه وصاح بأعلى صوته “كاذباً” : (أيها الناس اشتروا الباذنجان فإن النبي يقول: الباذنجان شفاء من كل داء!) , فتهافت البسطاء على بضاعته المدعومة بالنصوص الشرعية!

إذاً فالتجارة المتأسلمة قديمة جداً قدم خيبتنا وتخلفنا!، وما موضة المايوه ” الإسلامي”، والرجيم “الإسلامي”، والنصب والدجل والاحتيال باسم الإسلام بالشيء الجديد المُحدث، فهي صناعة قديمة تنطلي على البسطاء والمغفلين!

نأتي للمشهد السياسي الكويتي لنرى أنموذجاً جديداً من بائعي الباذنجان “الإسلامي”، لكن هذه المرة بماركة كويتية بامتياز!

إنه النائب “المنبطح بأمر الله”، النائب الذي يحترف مهنة الانبطاح النيابي، والزحف على البطن، ولابد من التأكيد في كل جولة من جولاته الانبطاحية, وتصويته ـ الذي حاشا لله ـ أن يخالف الحكومة, أو يعصي لها أمراً، نجده يقوم بهذا الانبطاح وفق “الشريعة الإسلامية” التي يفهمها، هي البريئة من هذا القبح والهوان، براءة الإسلام بمعناه الحضاري الفلسفي من الأفعال المتخلفة لبعض المسلمين في هذا الزمان!.

المنبطح بأمر الله يمارس جميع رذائله السياسية تحت قبة عبد الله السالم، حتى إذا خرج منها وتوجه إلى وسائل الإعلام تراه يصر على إقناع ناخبيه البسطاء أن ما قام به من انبطاح كان على ضوء الكتاب والسنة و”فهم سلف الأمة” وحاشاهم!.

من الواضح جداً أن اتّباعه وانتماءه ” للسلف ” الذين ما عُرف عنهم إلا الدعوة لوحدة الأمة ونبذ التفرق، ومحاربة العنصرية والشعوبية وأهلها، جعله من أوائل الزائرين للمستشفى لعيادة ذنب الفتنة والتفرقة بين مكونات الشعب الكويتي، المدعوم من أشباهه، المنسوب إلى الجهل!، ولكل شيء من اسمه نصيب إلا هذا المنبطح!.

ومن غريب أمر هذا المنبطح بأمر الله أنه بعد أن ينتهي من سهرته التي عصى فيها الله والأمة بتصويتٍ لا ترضى به الأديان السماوية ولا الوثنية! حيث الإصرار على إسناد الأمر إلى غير أهله، يمسح ـ بكل بساطة ـ الماكياج عن وجهه الذي يشع منه نور التقوى والصلاح , ليتحول من نائب ممثل للأمة الخائبة،إلى مجرد “مسحراتي” في “حارات تويتر” يخبرنا بدنو وقت السحر!، ليستعد جمهور المؤمنين والمؤمنات للسحور، وليستغفروا ربهم وقتئذ!

مذ شببت عن الطوق، وأنا لا أقيم للمظاهر وزناً، خصوصاً بعد أن اندمجتْ في مجتمعنا بعض المظاهر الدينية ـ التي أحترمها ـ مع العادات والتقاليد، فأصبح من الصعب التمييز بين ما يُفعل ديانةً وتعبداً، وما يُفعل تقليداً وموافقةً للسائد.

ومن هذا المنطلق فإني لا أجد أي فرقٍ بين “لحية” المنبطح بأمر الله، وحجاب “بلاعة البيزة”، فكلاهما مجرد مظهر! ليسا بالضرورة دليلاً على الصلاح، أو عمق الإيمان وصفائه!

إذ مستقر الإيمان وموطنه الحقيقي الذي لا ينظر الله إلا إليه هو القلب!

لذلك كان لإمام الهدى علي بن أبي طالب ـ وليس كل “علي” كأبي الحسن ـ كلمةً من نور تشخص هذا الواقع المريض، وتحذر منه، ومن الانجرار حول المظاهر الخداعة، والشعارات الفارغة، والبساطة في التعاطي مع الأمور إلى حد السذاجة حيث يقول واضعاً الميزان العادل، والحد الفاصل في معرفة الحق، وتمييزه عن المدعين له : (اعرفوا الرجال بالحق, ولا تعرفوا الحق بالرجال).

‏@alajmi_saad