أقلامهم

وليد الرجيب يقارن بين كويت اليوم وكويت الأمس من خلال معايشته للزمن الجميل

بين كويت وكويت


وليد الرجيب


ما أنفك أقارن بين كويت اليوم وكويت الأمس، حيث إنني عشت الزمن الجميل، وعشت في هذا الزمن المؤسف، ولا أدري هل كل جيل يقول نفس الكلام، لكن الأكيد أنه في نصف قرن تغير كل شيء تقريباً في الكويت.
رغم أن الزمن الحالي أتاح الكثير من التسهيلات على الإنسان الكويتي، من خلال التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال، إلا أن السبب لا يعود لتطور هذه الوسائل، ولكنه يعود إلى تغير إنسان هذا الزمن.
فبالأمس كان الاحترام والتقدير للطرف الآخر، هو السمة التي كانت تميز الكويتيين، خصوصا احترام الصغير للكبير، والذين كنا نضعهم في مكانة التقدير والاحترام اللازمين، وكانت لغة خطابنا ومخاطبتنا للآخرين، تحمل الكثير من التهذيب، بينما تدنت لغة الخطاب الآن، وانحطت سواء في الصحافة أو في مجلس الأمة أو في الدوائر الرسمية وحتى في الشارع.
في ذاك الزمن كانت الخدمات التعليمية والصحية متقدمة ومتوافرة، وتناسب حاجات ذلك العصر ومواكبة للتقدم العالمي في هذين المجالين، وكانت مخرجات التعليم تنتج كفاءات من الرجال والنساء، أما الآن فيصعب إيجاد سرير لمريض، كما أن بعض الفحوصات، يستغرق المواطن أشهراً طويلة حتى يأتيه الدور، والمستشفيات متهالكة وقديمة، ولا تصلح لهذا العصر.
وفي الأمس كانت الطرق المعبدة، غير واسعة ولم يكن هناك جسور، ولكن كان الناس يقودون «بفن وذوق»، أما الآن فليس هناك أخطر من الطرق والقيادة في الكويت، كما جاء في تقرير بلير.
في كويت الأمس كان حجم التسامح والانفتاح، أكبر مما هو عليه اليوم، كنا نحترم كل أطياف المجتمع وأديانه وطوائفه، أما الآن فتم التضييق على من ينتمي إلى الديانة المسيحية فيما يخص الحصول على الجنسية، وتعمق الاصفاف القبلي والفئوي والطائفي، ومنعت أصحاب بعض الديانات والمذاهب الأخرى، من إقامة دور العبادة الخاصة بهم.
في كويت الأمس، كان معظم الوافدين والمقيمين من العرب، واليوم تفشت ظاهرة العمالة الهامشية والاسيوية «مع كل الاحترام»، لتغدو أكثر عدداً من سكان الكويت، ما زاد معدلات الجريمة والدعارة، والغريب أنه يسمح لتجار الإقامات، بجلب آلاف من هذه العمالة، بينما تمنع السلطات دخول بعض الجنسيات العربية.
في كويت الأمس، قد يكون هناك فساد أو إهمال أو تسيب، لكننا نجزم بأن فساد اليوم «ما تشيله البعارين».
في كويت الأمس، كانت الثروة أقل، لكن كان الخير يعم البلد، ولم نسمع بالأغذية الفاسدة والغش التجاري إلا أخيراً، كما كانت البنى التحتية الأساسية، تجعل من الكويت دولة تتجه للتحديث، أما الآن فالثروة أضعاف السابق، لكننا نبدو بخدماتنا وبنانا التحتية، أشبه بدولة فقيرة من دول أفريقيا.
ولا شك بأن أحداً سيقول، زاد عدد سكان الكويت والوافدين، ولم تعد البنى التحتية تكفي هذه الزيادة، نقول ولماذا لا تتسع ويزيد عدد هذه البنى؟ وأين ذهبت خطة التنمية وأموالها المليارية؟
بالتأكيد فإن التغيرات السلبية، والتراجع عن كويت الأمس، لم يكن سببه الاحتباس الحراري، أو قلة المال والثروة، أو مجلس الأمة والديموقراطية، إنما سببه الحقيقي هو الإنسان الذي تغير، من الحكومات التي أهملت هذا الإنسان، وأيضاً غياب رجال الدولة، ولا سبيل للاصلاح إلا من خلال البدء بالإصلاح السياسي.