كتاب سبر

السودان و مشروع الشرق الأوسط الصغير

بنشيد وطني باللغة الإنجليزية وبعلم جديد ودستور جديد لايعرف غالبية السودانيين الجنوبيين محتواه تولد دولة جديدة في جنوب السودان، وبالأحرى تُستقطع هذه الدويلة من السودان الأم، وهي لا تحمل أدنى مقومات الدولة فلا مرافيء ولا بنية تحتية، وبلد يعمها الجفاف والفقر، ولكنها تمتلك كميات هائلة من النفط. يفصلنا يوم واحد عن إعلان قيام جمهورية السودان الجنوبي، والذي يصادف يوم التاسع من يوليو الجاري 2011. وفي عشية الإعلان الرسمي عن الانفصال الرسمي لجنوب السودان عن السودان الأم يعترف الرئيس البشير رسمياً بهذه الدولة. 

من الطبيعي والمفروض أنه حينما يُستقطع جزءٌ من أي بلد أن تكون هنالك ردة فعل كونها تعتبر خسارة لهذا البلد أو ذاك و وحتى وإن كان لها تخريجاً شعبياً وهو استفتاء شهر يناير لهذا العام، ولكن الرئيس البشير سارع للاعتراف بهذه الدولة الجديدة ويبدو أنه يريد الخلاص من تبعات هذه المنطقة أو كأنه قد ساوم على بقائه واستمراره حاكماً للسودان، وإسقاط التهم الموجهه له بخصوص تهم الإبادة الجماعية، فلقد أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على الرئيس السوداني عمر البشير حيث رأت أنه ربما يكون مسؤولاً عن ثلاث جرائم إبادة جماعية بحق الجماعات الإثنية للفور والمساليت والزغاوة في إقليم دارفور، وهذا الأمر يؤرق الرئيس البشير ويضعه في موقف حرج أمام المجتمع الدولي. ولا أرى إلا أن هنالك صفقة لتسوية مسألة الجنوب السوداني خصوصاً أن هذه المنطقة يقطنها أغلبية مسيحية قد تنصروا من خلال بعثات التبشير المسيحي ولكن ديانتهم الأصلية هي الوثنية، وهذا البُعد الديني له دوره في التوجه الغربي حتى وإن حاول الغرب الظهور بمظهر العلمانية المُفرطة، بالإضافة إلى غنى هذه المنطقة بالبترول.

في سنة 1916 وأثناء الحرب العالمية الأولى عُقدت إتفاقية سايكس بين بريطانيا العظمى وفرنسا وبمباركة روسية لتفكيك الامبراطورية العثمانية، وقد أدى الاتفاق إلى تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية وهي سورية ولبنان و ودول المغرب العربي إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية، وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية ومنها دول الخليج العربي والعراق بالإضافة إلى مصر. وقد سُميت الاتفاقية باسمي المفاوضين اللذين أبرماها وهما سير مارك سايكس البريطاني و جورج بيكو الفرنسي، وأصبحت هذه الاتفاقية مفرقاً مهماً في التاريخ الحديث للوطن العربي، فلقد شرط سكين التقسيم الغربي الدول العربية لمناطق صغيرة ودول غير متناسقة جغرافياً وديموغرافياً، وتركت بريطانيا وفرنسا بُؤر ومطبات ومشاكل حدودية بين معظم الدول العربية , فلا تجد دولة عربية واحدة ليس لديها مشكلة مع جارتها العربية، وهذه السياسية بريطانية الصنع وجسدها ونستون تشرشل في مقولته العسكرية الإقتصادية (فرّق تسُد). 

إن الكثير يعتقد أن المشروع الأمريكي الذي دعت له وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير قد فشل، ولكن حسب مجرى الأحداث فإن الأمريكان مستمرون في مشروعهم هذا، فلقد أطلقت الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش الابن هذا المصطلح في إطار مشروع شامل يسعى إلى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والإجتماعي في الوطن العربي وإيران وباكستان وتركيا وأفغانستان, ولكن يختفي الهدف الحقيقي من وراء هذا المشروع خلف مصطلحات تدغدغ العقل الشرقي من إصلاحات سياسية واقتصادية وتشجيع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 لاشك أن كل هذه الأطروحات جميلة من حيث المفهوم وبالإطار العام ولكن حقيقتها تصب في مصلحة المشروع الأمريكي الذي يسعى للسيطرة على منابع النفط  والغاز والموارد الطبيعية سيطرة كاملة وصريحة عن طريق تقسيم المُقسم، فمن خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير يجب أن تصغُر مساحة الدولة ويقل عدد سكانها وتكون مضطربة إقتصادياً وسياسياً لكي يسهل السيطرة عليها. لقد نجح مشروع التقسيم ولو على المستوى المعنوي في العراق، فلا ننكر أن العراق أصبح ثلاث دول وهمية ولكنها واقعية، وأصبحت ليبيا دولتان، فدولة معمر القذافي ودولة بنغازي، واليمن لازال يترنح في ظل هاجس الإنشطار وهنالك دول عديدة معرضة للتقسيم.

يسعى المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير بتقسيم المنطقة في الخليج العربي وبلاد الشام وإلى دويلات مذهبية وإثارة النزعات الطائفية والمذهبية في البلد الواحد لتمزيق الوحدة الوطنية والقومية وتستغل الظرف الانفراجي في الوضع النفسي للمواطن العربي، الذي يجد متنفساً في الوقت الحالي لتفريغ شحنة الغضب المكبوت منذ عقود تجاه قياداته وسياسييه. ومن خلال الوضع الجديد في البلد الشقيق السودان والتقسيم، أرى أن هذا السيناريو لربما يُعاد ترتيبه في مناطق أخرى وستصبح الدول العربية في مهب ريح التقسيم الطائفي والمذهبي والقبلي وإن نجاح  مشروع الشرق الأوسط الكبير مرهون بخلق دول صغيرة مرتبطة بالمشروع الكبير وإن أرضية هذا المشروع متوفرة في وطننا العربي المنكوب.

‏alfadli@hotmail.com

‏http://twitter.com/#!/HassanAlfadli