كتاب سبر

أبناء القبائل مرة أخرى

جميعنا دون استثناء نكره التصنيفات الفئوية، فهي سهلة و بسيطة في افواه البعض ولكن نتائج تردادها في الخطاب السياسي و الاجتماعي مدمرة. وحينما ننظر الى مجتمعنا الكويتي الصغير و ذو النسيج المتجانس سندرك بأن هذه التصنيفات شاذة و طارئة و في أحسن الأحوال ليست سوى أداة في المناورات السياسية غير المسؤولة.
و لكن ذلك لا ينفي على الاطلاق أن هناك بيئة خصبة وعوامل نشيطة لازدهار مثل هذه التصنيفات، و لعل أكثر هذه العوامل وضوحاً هو غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية، و هنا تحديداً تكمن المسافة الفاصلة بين الأمنيات والواقع. فإن نرسم صورة للمجتمع الذي نريد و يرغب به أبنائه ليس بالضرورة أن يكون واقع مجمتعنا قريباً منه، فالأفكار إن لم تتفاعل مع الواقع تضل مجرد أفكار في رؤوس أصحابها غير قابلة لأن تتحول إلى حقائق.
هذا الأمر كما أراه ينطبق على إشكالية النظر إلى من أصبح البعض يطلق عليهم شريحة “أبناء القبائل”. فمن يصر على استخدام هذا المسمّى و يدعو في الوقت نفسه إلى الاحتكام إلى دولة القانون والدستور بوصفها بديلاً ناجحاً عن أي نظام اجتماعي و سياسي آخر، من السهولة علينا تبيين التناقض الذي يقع فيه.
فدولة الدستور والقانون تفترض بدءاً التعامل مع الأفراد سواسية كأسنان المشط وهو ما تدعو إليه القيم الروحية والدينية التي تحتكم إلى قيمة الفرد بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى، والمساواة هنا بما أنها ركن ثابت من أركان العدالة الاجتماعية لاتعني فقط المساواة في الحقوق والواجبات فذلك أمر بديهي لا نقاش فيه، بل إنها تعني قبل كل شي المساواة في الشروط والظروف التي من خلالها يصبح الفرد قادراً على نيل حقوقه و أداء واجباته.
فعلى سبيل المثال، عندما نتحدث عن العدالة الاجتماعية بتحقيق المساواة في اكتساب وظائف مرموقة تجعل الفرد قيمة مضافة في المجتمع من جانب و تحقق له الطموح والارتقاء بإمكاناته من جانب آخر لا نستطيع أن نتغاضى عن الشروط و الظروف التي تجعل ذلك الأمر يمكن تحقيقه، فهذه الشروط والظروف يجب أن تصوغها كذلك العدالة الاجتماعية و تؤثر فيها.
فكيف بالإمكان الادعاء بتحقيق العدالة الاجتماعية في حصول الأفراد على الوظائف المرموقة في قطاعات الاقتصاد والهندسة والطب وغيرها إن لم تكن المؤسسات التعليمية التي تخدم الأفراد على اختلاف مناطقهم الجغرافية على نفس درجة الكفاءة و الامكانات..؟ وبعبارة أخرى، هل تتحقق العدالة الاجتماعية عندما يكون هناك اختلال هائل في السياسة التعليمية ما بين مناطق وأخرى؟ وهو اختلال يؤثر في مخرجات التعليم العام بصورة واضحة.
و بامكاننا قياس هذا المثال على الجوانب الاخرى في الرعاية الصحية و غيرها ,فالقضية اذا ترتبط بتطبيق العدالة الاجتماعية من قاعدة الهرم الاجتماعي و ليس من منتصفه او اعلاه , و اية جهود حقيقية يجب ان تتجه الى ذلك , دون الاكتفاء بالمناورات السياسية و الخطاب السياسي الذي يناقش الافكار و النوايا دون ان يتعامل مع الواقع المحسوس .
يستطيع البعض أن يوظف مسمى “ابناء القبائل” و يستخدمه أداة لتشتيت الأنظار عن الجذور الحقيقة لغياب العدالة الاجتماعية، ولكن ذلك ليس سوى حصاداً للريح لا يجني منه الفرد شيء، فالأهمية الكبرى يعكسها الواقع وينطق بها، وواقعنا يقول بأن الكويتيين و شريحة كبيرة منهم تطلب العدالة الاجتماعية وتسعى إليها، وكما يخبرنا التاريخ دوماً فإن الشعوب بحراكها تفوز بالعدالة والحرية طال الزمان أو قصر. 
والله من وراء القصد ..