كتاب سبر

فصل “الضحكات”!!!

الأسبوع الماضي كان صيفياً بامتياز و بحرارة سياسية مرتفعة قللت من مساحة الإسترخاء المفترضة في مثل هذا الوقت من السنة، و قد حمل في بدايته الإعلان عن الرغبة الأميرية السامية بإقامة فعاليات للاحتفال بالدستور و على مدار سنةٍ كاملة، وهي مناسبة يريد منها سموه التأكيد على القيمة العالية لهذه الوثيقة، وهو ردد في أكثر من مناسبه: “نحن من يحمي الدستور”.

 وكنا نتمنى من الطرف الحكومي بالمقابل أن يترك جزءاً من أمر تنفيذ الرغبة الحكومية للقطاع الشعبي حتى يكون الاحتفال مناسبةً للحوار حول مدى الالتزام الحكومي بهذه الوثيقة و مدى الحاجة لتعديلها وتطويرها نحو مزيد من الحريات والحقوق، إلا أن ما تأكد حول الانفراد الحكومي بتنظيم المناسبة جاء لينقل المشهد برمته إلى الكوميديا السوداء، ويقلص في الوقت ذاته من مساحة ما اعتدناه مؤخراً من الأوضاع الرمادية التي تمر بجانب الدمعة دون أن تسقطها تماماً، وتمسك بطرف الضحكة دون أن ترسمها كاملة. ويبدو أن الحكومة بتشكيلها الجديد و تحالفها القديم – الجديد لم تعد من أنصار اللون الرمادي، ولانحن أيضاً من أنصاره، ولا أحد بالمقابل يمكنه الاعتراض على الاحتفالات وما يصحبها عادةً من ضحك و قهقه.. 

الذي نعترض عليه فقط هو عدم فصل “الضحكات” عن الواقع المحزن للدستور بسبب هذه الحكومة، فلا أقل من احترام أحزاننا عليه، ونظرة واحدة على اسم الوزير المكلف برئاسة اللجنة من قبل الحكومة كفيل بتحويل أجمل الكرنفالات إلى حائط مبكى تهتز حوله رؤوس ربما تحمل لنا في داخلها كل الأجوبة إلا إجابة سؤال واحد “لماذا تحتفلون بمن قتلتم من الأنبياء!!؟؟”..

في ظل الممارسات الحكوميه العدائيه تجاه “المحتفى به” نتسائل مالذي تعنيه سنة الاحتفال بالدستور، غير أنها مرحلة إنتقالية لتحويله في النهاية إلى فلكلور شعبي، إذا عُزفت ألحانه طربت لأوضاعه الحالية أسماع البعض، واهتزت لها أسماع آخرين شجناً على أيامٍ خوالٍ كان فيها الدستور سلاماً و طنياً، إذا عُزف قام الجميع من كراسيهم ولكن “ويلٌ لقلبِ الشجيٍ من الخلي”، والشجن مؤلم وهذا الاحتفال الحكومي يؤلمنا، والأطراف الحكومية لم تعد تعترف بآلآمنا وهي تعلم حجم الجرح في جسد الدستور وهي أيضاً تريد لهذا الاحتفال أن يكون كثير الملح، وإلا فبماذا يمكن تفسير أن نحتفل بشيءٍ ولا “نحفل” به في الوقت ذاته!!!… فقط لا تحتفلوا معنا وسنعتبر هذا كرماً منكم على طريقة “العفو عند المقدرة”.. اعفوا عنَّا لا أراكم الله “احتفالاً” بعزيز.

ولم يقترب الأسبوع من نهايته إلا وهو يحمل مزيداً من الملح إثر قيام وزارة الأوقاف بفصل أحد الخطباء، وأنباء عن إيقاف آخرين بسبب قيامهم بواجب الدعاء أن يرفع الله الغُمة عن الشعب السوري الشقيق وأعقب القرار تصريح للوزير أن المنابر للفقه و ليست للسياسة، وفات السيد الوزير أن هناك فرقاً بين الدعاية السياسية وواجب النُصرة في الدين، ولا أحد يلقي هنا باللائمة على السيد الوزير”فمن شابه أباهُ ما ظلم” والأب هنا هو حكومة وفق أي معيار تنموي أو سياسي “لا خيل عندها تهديه ولا مالُ”.. ولا دستور أيضاً..

الأمور في البلد لم تصل لفصل الدين عن الدولة، و لكن هذا الحدث يحمل في طياته رسالة فصل الدولة عن الشعور العام للمجتمع الكويتي المسلم الكاره للظلم والمحب للحرية و العدالة، واستعراض كثير من الممارسات الحكومية السابقة وربطها بإيقاف الخطباء و الإنفراد بتنظيم الرغبة الأميرية يؤكد أن تحدي الشور العام يكاد يكون عنواناً للمرحلة.

twitter@khaledalgaafry