كتاب سبر

من مصري ثائر إلى ناصر المحمد

أما قبل:

نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها

…………….. فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ

(المتنبي)

بالرغم أن علاقتي بقواعد النحو وعلوم اللغة، مثل علاقة القلاف بالوحدة الوطنية.. وهذا لا يخفى عليكم، فلولا الوشيحي لهلكَ أبوعسم بالنحو.. إلا أني هذه المرة ليعذرني اللغويين فأنا مُتأكد أن الأصح هي كلمة (مبروك) وليس (مُبارك) ولو كان ابن منظور يرافقني برحلتي للقاهرة لوافقني على ذلك..!!

فقاهرة مُبارك وحزبه.. تختلف عن قاهرة مبروك إزاحته.. غادرت القاهرة بتاريخ 20/يناير ودموع أهلها تنهمر من القنابل الدخانية وعدت إليها والدموع تنهمر لفرحة النصر، رحلت عنها والشرطة فيها لا تمتهن إلا الأحرف الأربعة الأولى منها، والمتهم “دنيء” عن تثبت إدانته.. وقدمت إليها وفيها واثق الخطوة يمشي “شعباً” يحترمه الأمن ولا يتجسس عيه.. فقد كان النظام يفسر قول الله (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) بأن يكون لكل مواطن (رقيب أمن) يراقب لفظة وقوله.. إنه عام الفيل الجديد في القاهرة، إنها الحرية تنيرأرجاءها كرماح البرق في كبد الدجى.. فإن كان سقوط التفاحة أثبت وجود (قانون) للجاذبية.. فإن سقوط حسني أثبت وجود (قانون) للدولة.. ها هي الثورة سائرة تقول للشامتين قول أبراهام لنكولن (أنا أسير ببطء لكنني لا أسير إلى الخلف أبداً)..!!

في ميدان التحرير استنشق الحرية.. كسجين يملأ عينه بأكبر قدر من الضوء في باحة السجن قبل أن يعود إلى عتمة زنزانته..لأول مرة أشاهد الجمهور وهو من يقف على خشبة المسرح يمارس دور البطولة والتصفيق أيضا ً.. خرجوا بكل أطيافهم ليثبتوا أن الصدور العارية إلا من الإرادة أقوى من الرصاص.. مسلمين ومسيحيين، لم يأبه المسلمون بالفتاوى التي تحرم خروجهم قبل الثورة، ولم يلتفت المسيحيون لأوامر “البابا شنودة” لهم بألا يخرجوا في المظاهرات.. البابا نسي أن في سفر الجامعة في العهد القديم، الذي يؤمن به  (إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ) ولأن الثوار يؤمنون أن وراء كل “طاغية” عظيم ..مُفتي، لم تجد هذه الفتاوى صدى في ميادينهم..!!

بالجوار قابلت الحرية تسير على ساق وقدم صافحتها فقلت: “أنا مواطن عربي”.. فقالت: “فرصة سعيدة، تشرفنا”.. ثم تقدم نحوي شاب مصري قال من فين “البرنس”..أجبته مبتسماً ..من دولة التفكير التي لا تمنح الجنسية إلا لأبكم، من الكويت يا سيدي من الكويت .. خشيت أن يسألني عن “تطبيل” قناة سكوب لحسني مبارك، فهو لا يعلم أنه أصبح لدينا “انبطاح إقليمي” سألني أيه أخبار ثورتكم.. يا سيدي نحن ليس لدينا ثورة، هم مجموعة من الشباب لا يريدون رحيل النظام بل متمسكين بالأمير والأسرة الحاكمة ويفدون أرواحهم للنظام، ولكنهم يريدون الحفاظ على الدستور ورحيل رئيس الوزراء فقط..!!

اقتحم حديثنا رجل آخر كان على قدر كبير من النحافة والثقافة.. قال مش الريّس بتاعكم اسمه ناصر المحمد؟ أجبته هو بلحمه وشحمه وقنواته وشيكاته.. فقال آآه أنا فاكر حكاية الشيكات دي.. يا أخينا بلغ رئيسكم أن الرئيس الناجح لا يحتاج إصدار شيكات ليعزّز منصبه، بل يحتاج إصدار قوانين تخدم شعبه.. أعلمه أن القائد من تكون قضيته الأولى هي الوطن، لا قضيته في المحاكم يرفعها على منتقديه.. ولا جدوى من حاشية المنافقين، هذا حسني (نظيفه) لم يفلح بتنظيفه، ولا (حبيبه) جعله حبيب الشعب فهؤلاء مصابين بعقم بالإخلاص.. زي ما يقول فؤاد نجم، ولا يحتاج الإنسان لترخيص من الحكومة ليفتح فمه “للتثاوب”.. وأخبره أن من يبيع (أعضاء) جسده، خيراً من الذي يشتري (أعضاء) بلده..!!

قلت سوف أوصل رسالتك على ضمانتك وبلسانك.. فأنتم الأكثر ضمانة الآن.. أقف بينكم وأتذكر كلمات العقاد قديماً (الأمة على استعداد الآن أن تسحق أكبر رأس يخون الدستور أو يعتدي عليه) عليكم بمبارك، لا ترحموا “طاغية” قوم ذل .. وإن أعدم حنطوا جثته في أهرامات الجيزة مع الفراعنة السابقين.. قبل أن أرحل سألني الشاب الأول.. هي الكويت أين تقع؟ قلت جغرافياً “تقع” على الخليج العربي.. واقعياً “تقع” في عهد ناصر المحمد..!!

صعلكة:

في الأوطان العربية لا فرق بين (الشارع)..(والتشريع) الدستوري.. فكلاهم تدهسه الأقدام!!

محمد خالد

twitter:@abo3asam

[email protected]