كتاب سبر

مصر والثورة الناقصة

الربيع العربي كما أُطلِق عليه لايبدو ربيعاً مُخضراً بل غلب عليه اللون الأحمر، فهو مُلطخ بدماء آلاف من الشباب العربي الذي انقاد وراء طموحات سياسية لبعض السياسيين ممن أركبوا الشباب هذا القطار الجامح الذي لم يكن مستعداً له، ولم يكن هنالك البديل الحقيقي والرؤية الموضوعية لما بعد نجاح الثورة في البلدان العربية. 

أين هي هذه الثورات وأين نتائجها؟ لربما من المُجحف أن نتساءل عن نتائج هذه الثورات قياساً بالزمن، ولكن مانراه الآن هو ثورة على الثورة في مصر وتنازع في تونس وتمزق ودمار في ليبيا واليمن و سوريا وتقسيم في السودان ونصف حوار في البحرين. إن الثورات العربية الحديثة كانت وليدة هفوة واستهتار من قبل الحاكم بشعبه ولحظة من لحظات القدر، وفلته من فلتات العصر الحديث. لقد تفرعن الرؤساء المخلوعين إلى الحد الذي لم يتصوروا للحظه أن يحدث ما حدث، وهذا ما إستدركه بعض الرؤساء الآخرين ولذلك لم تنجح الثورة في ليبيا وسوريا واليمن إلى يومنا هذا.

لدينا تجارب كثيرة سابقة سيئة عن الديمقراطية كتطبيق وليس كمفهوم، فالديمقراطية المُعلبة في العراق لم تكن تلك الديمقراطية والمثال الحسن للمنطقة، بل كانت مثالاً رديئاً بكل المقايسس، فمن سجون صدام حسين إلى سجون العراق الجديد، ومن فرق الإعدام في أبو غريب إلى بلاك ووتر الأمريكية، ومن سرقة النفط والكوبونات إلى السرقة العلنية لكل مقدرات الشعب العراقي. والديمقراطية الأمريكية في أفغانستان لاتقل عن نظيرتها في العراق فقتل عشوائي وقصف أعراس وقتل أطفال، ولم تستحق الحرية التي نادى بها البعض الأفغاني ذلك الثمن من الدماء والدمار.  

إن أهم الثورات التي حصلت في المنطقة هي الثورة المصرية لما لمصر من ثقل قومي وبُعد استراتيجي على طول البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، فمصر صاحبة الثورة الفرعونية المثالية لازالت تخضع للكثير من رموز لنظام السابق والمجلس العسكري يصمت إلى أن يفيض بالشعب المصري ويثورعلى الثورة، فيخرج  المتحدث باسم المجلس العسكري وبنبرة يجب أن تكون موجهه للخارج ليُملي جملة قرارات تأتي متأخرة دائماً. النبرة التي يتحدث بها المتحدث للمجلس العسكري حازمه ولا تُحاكي الوضع المصري الذي يحتاج إلى بعض اللين مع الشعب الذي عانى من البطش والظلم والتحييد والإقصاء والفقر طوال العقود الخمس الماضية، ونحن كعرب وبما نملكه من سذاجة وطيبة نفرح ونُهلل لأن المتحدث باسم المجلس العسكري المصري أدى التحية العسكرية لأرواح الشهداء، ونحن نعلم أو لا نعلم أن هذه اليد التي أدت التحية للشهداء هي نفسها تؤدي التحية عند زيارة أي وفد إسرائيلي لمصر. 

الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك والبالغ من العمر ثلاثا وثمانون عاماً في غيبوبة كاملة بعد تدهور حالته الصحية حسبما ذكر التلفزيون الحكومي المصري، وهنالك حديث عن موته. ومصر غارقة أكثر من أي وقت مضى بالفوضى والركود الإقتصادي، وهنالك تقارير من البنك الدولي تثبت أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية مصر العربية قد إنخفض أربعة ونصف بالمئة بعد الإنتفاضة بسبب الخلل في القطاع الصناعي والسياحي والتجاري مما أدى إلى تفشي البطالة، و تعاني شوارع القاهرة من النهب والسرقة على يد لصوص وخارجين على القانون، بينما عشرات الآلاف من المصريين يواصلون الاحتجاج في ميدان التحرير وفي السويس والإسماعيلية والإسكندرية بما أسموه بالثورة المصرية الثانية ضد المجلس العسكري والحكومة الجديدة، التي لم تأتي بجديد ففي حكومة عصام شرف الأولى كان هنالك الكثير من رموز النظام السابق وحكومه جديدة ضعيفة.

تقول التقارير أن المتظاهرين في ميدان التحرير لا يعتقدون أن المجلس العسكري بإمكانه إنقاذ مصر. وتتهم المعارضة المجلس العسكري بتوليد الفوضى لكي يجد الذريعة لتأجيل الإنتخابات العامة والرئاسية  لترتيب وضع الحزب الوطني، لكي يكون واثقا من فوزه في الإنتخابات القادمة. بالإضافة إلى وجود عشرة آلاف من الناشطين السياسيين الذين أُعتقلوا في الشهرين الماضيين وأُخضِع البعض منهم للتعذيب، مما يدل على أنه قد أُطيح بحسني مبارك ولكن آلية نظامه لازالت تحكم البلاد. ومما يثير المواطن المصري هو تواطؤ المجلس العسكري مع رموز النظام السابق ومن ضمنهم الملياردير حسين سالم، وهو  ضابط مخابرات سابق وصديق حميم وشريك لعائلة مبارك. ويتهم المصريون المجلس العسكري بغض الطرف عن هروبه إلى إسبانيا على متن طائرته الخاصة مع مليار ونصف دولار في الأيام الأولى للإنتفاضة. إن المجلس العسكري المصري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي كان من ضمن منظومة الحكم المصري في عهد النظام السابق ولم يملك الإستقلالية في يوما ما، لذلك كان يجب على المتظاهرين في ميدان التحرير عدم الخروج من الميدان بدون تحقيق كل مطالبهم، وهاهم يعودون له اليوم ولكن بعد أن خفت الصوت العالي القادر على تغيير نظام متماسك وإستخباراتي كنظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

????‏alfadli@hotmail.com

‏http://twitter.com/#!/HassanAlfadli