كتاب سبر

فخامة الشعب المعظم

“أيام الصحة لا سقم فيها وأيام السقم لا صحة فيها” لأن الأيام دول، ويبدو أنها تحولت من الدول إلى الشعوب فهي “أيام شعوب”، اختفت فيها دولة الرئيس وصولته، وجاءت فخامة الشعب تتبختر في مواكب من جياع، وثارت حريته بعصي من غضب، وأفاقت كرامته بسياط من قهر، أما التاريخ فجالس في الشارع يغير ثوبه بعدما كان ملك يمين للقادة.


فسجل عندك أيها التاريخ العاري، خذ ورقة وقلماً وأستر عورتك وسجل، في مثل هذا العام صار الوطن “شبه” العربي مرجلاً كبيراً وكراسي قادته حطب، وتحول القائد إلى راقص “ستربيتز” يشلح ثيابه ويقذفها للجماهير في كل صوب، والناس يقتلها الشبق، ولا يرضون إلا بانكشاف سوءته، وانهيار دولته.


سجل بقلم أحمر عريض “الشعب يريد إسقاط النظام”، فلا نظام مع فقدان الكرامة والخبزة غير نظام العبيد، الشعب يريدها فوضى بحرية وكرامة، فأهون الشرين أن تعيش “بفوضى الحرية” الكل فيها منطلق كما الغزلان في البرية، لا “بنظام القهر” الذي يتحول فيه الناس إلى غربان وقربان.


سجل أيها التاريخ العاري أن التوانسة شطبوا من قائمة الشرف أسماء الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ومَنْ قبلهما بألقابهم وأحقابهم وكتبوا في صفحة واحدة “البوعزيزي بائع خضرة”، ومصر العظيمة مصر القادة والسادة والجهابذة، وضعت كتابها الحافل في فاترينه وفتحت كتاباً جديداً أسمته “مصر الجديدة” تأليف : 75 مليون مواطن مصري.


استر عورتك أيها التاريخ بثوب الكرامة، وعطر أنفك بدم الشعب، وشنف أذنيك بصرخاته، وتحمل قليلاً وتجمل، فلكل مخاض ألم، ولكل غالٍ ثمن.


أكتب إن شئت أنّ “فوضى الحرية” هذه صاحبتها علميات سلب ونهب وبلطجة، وتسلقُ أيدٍ (وأقدام) خارجية، ومطاردات في كل بيت، وجحر ولا تنسى أن تستدرك أن كل ذلك كان يتم في ظل النظام وبدنه.


دون أيها التاريخ العاري وأنت تستتر كما العذراء المرعوبة وفي صفحة مستقلة الجملة التالية “بعدما كان الرئيس يحاكم شعبه على الفاضي والمليان، صار الشعب يحاكم رئيسه على الكبيرة والصغيرة والحقيرة”.


واقلب الصفحة ثم أكتب “أن الأسد لا ترثه نعامة هكذا قالت الشام، وإذا قالت الشامُ فصدقوها فإنَّ القولَ ما قالت الشامُ”.


خذ فاصلا أيها التاريخ وأنشد أو أنشج كما نشج سميح شقير: “يا حيف أخْ ويا حيف .. زخ رصاص على الناس العزّل يا حيف .. وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف .. وانت ابن بلادي تقتل بأولادي ..”


ويا حيف يا غوار، يا حيف يا الإدعشري، يا حيف يا بو ساطور “وينكم” يا شباب حارة الضبع، ويا ثوار الغوطة، يا حيف عليكم كلكم، سلبتم قلوب العرب رمضاناتٍ عديدة وأزمنةٍ مديدة برجولاتٍ زائفة فلما دقت ساعة الزحف صرتم حِلْسَ بيوتكم وتلفعتم فرش نسائكم وجلستم القرفصاء .. حولكم أضواء خافتة، وداخلكم قلوب فاتخة، وفي رؤوسكم عيون زائغة تارة على أحداث الواقع وما يكون، وأخرى على أحداث الشام وما يفعلون فتتضاءلون وتتضاءلون وتتضاءلون.. حتى تكونوا كأمثال الذر، فإذا خرج الحدث حمزة الخطيب يستنهض الحياة والموت معاً والتف الأطفال من حوله تختفون.. 


أوآآه .. إنها معركة بين جحافل البعث وأطفال الشام.. وإذا كان الزمان قد عرف في مصر ضحك كالبكاء فقد رأينا في الشام بكاء كالضحك فدونه أيها التاريخ، ودون أنّ الغلبة للأصدق وليس الأقوى، ولا أصدق من الأطفال.


لون ورقاتك البيض بأنه في مثل هذا العام اندس القادة في أخبيتهم رعباً أن يعتقلهم مواطن.


أكتب أن أبا القاسم الشابّي كان قصده :


إذا القائد أيضاً أراد النجاة .. فلا بد أن يجلَّ البشر.




zalfaleh@Twitter


[email protected]