كتاب سبر

ثم تدفنهم فيه

أتابع سوريا هذه الأيام و أُحاول استدراج الكلمات لِتصف ما يحدث و أكتشف كم هي اللغات فقيره و كم أن الألسن تثقلها الأغلال و كيف أن للكلمات طبع الغزلان سرعةً في الهرب حياءاً و عجزاً و أجد أن أي أحرفٍ أجمعها بعد جهد لا أرى لها إلا شكلاً واحداً يمثلُ أمامي ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ” وما يحدث في سوريا هذه الأيام فوق  وسع الكلمات .. و كأن الكلمات تصوم معنا ولا مغرب لإفطارها ..


يارب جفت عروق الأحرف عن ظمأ ، فالكلمات لا تتحرك إلا في نطاق ماهو إنساني أمّا الذي يحدث فهو أن شعباً ما قد اقترب في عطائه و صبره و تضحيته مما هو ملائكي و هذه ورطةٌ للغة وأرض جديده عليها لا تنفع فيها خُطانا و أقدامنا فهذه أرضٌ للأجنحة و للكلمات التي لم تعرف غير السماء طهراً و غير الحق علواً.. عذراً لكلام البشر فهذا رمضان .. شهر القرآن ..


” فأما ثمود فأُهلكوا بالطاغية ” كما نقرأ في القرآن الكريم والطاغية هنا هي صيحة العذاب الصاعقه فاللهم أهلك الطغاة بطاغية ” الشعب يريد إسقاط النظام ”  ولأنه لا وقت ولا قدرة على ربط الأفكار حفاظاً على وحدة المقال


فلا أدري لماذا تتقافز أمامي كلمات للمفكر الأستاذ إبراهيم البليهي في أحد إشراقاته على قلتها وهو ينصح كل باحثٍ عن الإصلاح و التغيير فيقول ” لا يغرّنك امتداد الزمن بالثابت و المستقر فالأنظمة المتخلفة في حقيقتها تشبه أحجار الدومينو حيث كل حجر يُسقط ما يليه ” انتهى كلام البليهي ولو استخدمنا مقولته كإسقاط على الربيع العربي عموماً لقلنا أن ما يحدث بإيجاز هو أنك تخرج مطالباً بوطنٍ كامل فيعطونك بيتاً ثم ترفض فيعطونك قبراً  … ثم تدفنهم أنت فيه .. ليس أكثر .. 


قاتل الله الطغاه فحتى ” هبنقة ” مضرب المثل بالحُمق لا يحفر قبره بنفسه لكن الطغاة يفعلون حيث افتقاد الإيمان يجنح بهم للشر دائماً و قلة الذكاء تجعلهم يكررون أخطاء أسلافهم فلا القرآن يكفيهم بقصة فرعون فيتدبروا  ولا التاريخ يَذكر لهم مثل شاوشيسكو فيتعظوا و يعتبروا حتى أن الإنسان وهو يقف أمام طغاة العصر كبشار فيعتقد جازماً أن قواعد التطور قد شملت كل المخلوقات  في الأرض عدا الطغاة فمازالوا في كل عصر نموذجاً طبق الأصل عن الخلية الفرعونية التي أنتجتهم و الطغيان في هذا لا يَظلم أحداً فهو لا يتطور ولا يسمح لأي شيء آخر بالتطور لأن الغايهة مازالت مرتبطةً عند الطغاة  بشيءٍ يُفسره أفلاطون فيقول ” غاية الطغاة إشباع شهوات الحيوان الأكبر ” وهكذا هم في حقيقة ممارستهم للسلطه مجرد شهوة حيوانية بعيدة عن حاجات الإنسانيه و قِيمها فهم في ذلك القبح الذي وصفته عبارة أفلاطون و لم يكن أحد الأعراب ببعيدٍ عنها حين جاءه السؤال عن أقبح الوجوه فأجاب ” وجه المُصِّرِ على الذنب ” وهذا والله وجه الطاغية المصِر على الظلم و القتل .. دعهم في قبحهم يعمهون ..


إقصف المساجد و اقتل الأطفال و اسب الحرائر و نزيدك من كتاب الله ” فأقضِ ما انت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ”  إنما تقضي مصيرك بيديك، و يورد الدكتور إمام عبدالفتاح في كتابه ” الطاغية ” ما نصه ” أن ديونسيوس طاغية سيراغوسا انتهى به الأمر أن بيع في سوق النخاسه كأحد العبيد “… تأملوا منظر ديونسيوس العرب حسني مبارك حيث قفص العبودية و المحاكمة في اتظاره .. و في انتظار كل طاغية بعده.


Twitter@khaledalgaafry



الوسوم