كتاب سبر

محاكمة مبارك …توقيت خاطيء

تُعتبر سُلطة العَوام من أهم الأسباب لتحريك الشارع سواءً في الاتجاه السلبي أو الإيجابي، فالعَوام هي الفئة الأكثر في المجتمع وهي من تبني أفكارها من خلال الأوضاع اليومية والمُعاناة، ولكن تحكمها العاطفة والاندفاع خلف مايتناسب مع أذهانهم ووجدانهم وينسجم مع تصوراتهم، وغالباً ما يحكم العَوام لغة تبعد عن العقلانية وبُعد النظر. حينما تكون هنالك ثقافة تعددية وحرية رأي وتعبير فإن الراي العام يكون صحياً، ولكن في وطننا العربي وبالأخص الوضع المصري قبل الثورة فإنه كان وضعاً مُزرياً ومُغلقاً، وكانت الأصوات خافتة ومقموعة ومخنوقة، لذلك فإن الانفراج الذي حدث بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد حسني مبارك لم يأتِ بطريقة تدريجية ولكنه أتى كجُرعة واحدة وكبيرة وأصبح أمراً واقعاً، لذلك يصعب السيطرة على الرأي العام، وبالتالي من يسيطر على المشهد في مصر هو العَوام والمجلس العسكري الذي يتعبر امتداداً للنظام السابق لأن الرئيس المصري السابق كان ابناً للمؤسسة العسكرية والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

لقد وقف ( وإن كان ملقاً على نقالة) الرئيس المصري السابق أمام المحكمة وفي قفص حديدي مع أبنائه علاء وجمال ومسؤولين عسكريين من ضمنهم وزير الداخلية حبيب العادلي وهم يواجهون أحكام قد تصل إلى عقوبة الإعدام، ولقد نفى الجميع كل الإتهامات التي طرحتها المحكمة. بالإضافة إلى أنه سوف يُحاكم رجل الأعمال البارز حسين سالم غيابياً، والذي ألقي القبض عليه في أسبانيا بعد صدور أمر اعتقال دولي بحقه. ولكن السؤال الآن هو ماهي النتيجة؟ وماذا بعد؟

?إن استجابة المجلس العسكري لصوت العَوام من الشعب المصري بمحاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك هي أولاً وأخيراً لأهدافٍ ذاتية مصلحية و لصرف الإنتباه الشعبي عن انهيار القانون والنظام  وتردي الاقتصاد والدمار الذي حدث منذ أن أمسك المجلس العسكري بزمام الأمور في القاهرة. وأيضاً إرضاء الجمهور بمحاكمة صورية علنية بطيئة سوف لن تستمر علانيتها كثيراً، وكذلك زخرفة للديمقراطية الموعودة ووعود بانتخابات برلمانية وحرية الصحافة وغيرها. إن الأولويات التي كان يجب أن يطالب بها الشعب المصري ويصر عليها هي الاستعجال بكتابة الدستور والذهاب لإنتخابات برلمانية ورئاسية وتأجيل محاكمة الرئيس السابق لأنها ستدخل الشعب المصري بدوامة طويلة ولربما تُحدِث انشقاقاً في داخل الجسم المصري وذلك لعدم إنكار أن هنالك من يُؤيد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكلما أخذت المحاكمة وقتاً طويلاً فإنها ستحدث حالة من التعاطف معه خصوصاً أن له تاريخاً في الصراع العربي الإسرائيلي سواء بالسلب أو الإيجاب، وكان يوماً من أبطال حرب أكتوبر 1973 وقائداً لسلاح الطيران المصري، وأيضاً يسجل له التاريخ أنه لم يهرب وكان باستطاعته الهرب إلى أية جهة خصوصاً الخليجية منها والمتعاطفة معه بالكامل، وكذلك تنحيه عن الحكم بدلاً من أخذ مصر لحرب أهليه ومواجهات بين الجيش والشعب خصوصاً أنه كان القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية وكان بيده تحريك الأمور بطريقة سياسية وافتعال الكثير من الأحداث كما فعل بقية الرؤساء العرب الذين أدركوا لعبة السخط الشعبي واستفادوا من تجربة الرئيس المصري، لذلك لم نرى أي تغير في أية دولة عربية أخرى بعد سقوط الرئيس المصري.

 إن أقصى ما سيحصل عليه الشارع المصري هو التشفي بالرئيس السابق وأبنائه، ولن نراه معلقاً في ميدان التحرير لأسباب عدة ليس أقلها التأثير الإقليمي والدولي على المجلس العسكري أو أي حكومة قادمة. فما الضير لو أن هذه المحاكمة كانت ستتم بعد تأسيس الدولة المصرية الجديدة؟!!!

  إن هذه المحاكمة وحتى وإن كانت عادلة فلقد أثرت وتؤثر على مجرى الأحداث في الدول العربية الأخرى الثائرة وذلك لإدراك كل رئيس عربي أن مصيره لن يكون بأفضل من مصير الرئيس المصري السابق وأن المحاكمة وقفص الإتهام هي أقصى ما سيحصل عليه أي رئيس عربي سيتنحى طواعية فما بالك بمن أوغل في أعمال القتل وسفك دماء هذه الأمة.

alfadli@hotmail.com

‏http://twitter.com/#!/HassanAlfadli