كتاب سبر

مصر تعطي دروسا في الثورة

الذين اتهموا الثورة المصرية بأنها عميلة، والذين اتهموا الثوار المصريين بتنفيذ أجندات أجنبية، وأنهم مدعومين من الخارج، هؤلاء لن نجيب عليهم، هم سيجدون الإجابة بأنفسهم إذا فتحوا أي نشرة أخبار، فالثورة التي تنتقل من بلد عربي إلى آخر، و الغضب الذي انتقل من “الانهيار الاقتصادي” في أمريكا، إلى “التقشف البريطاني”، وصل إلى إسرائيل أيضا.


في الخمسينات والستينات، قادت مصر حركات التحرير في إفريقيا و العالم العربي، وفي الألفية الجديدة، ستقود الغضب العالمي ضد الفساد الاقتصادي، والسياسي، الذين اتهموا الثوار بأنهم عملاء، وينفذون أجندات أجنبية، كيف ينظرون إلى “دولة عدوة”، هي إسرائيل، نظرت بانبهار إلى الثورة المصرية، وحاولت أن تقلدها.


سأعود بكم قليلا إلى الوراء، إلى أيام الثورة، ووجود الثوار فى ميدان التحرير وميادين مصر مع الإصرار على إسقاط النظام ورحيل مبارك، بعد أن بدا واضحا أن أي تغيير يجريه بلا أي فاعلية، سواء تغيير الحكومة أو بتعيين نائب أو بدعوة الأخير إلى الحوار والوعد بـ«النية» بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى.. فلم يعد يصدقه أحد وفقد الثقة والشرعية، فى تلك الأيام كان النظام المصرى يطلق علينا عبر قنوات التليفزيون المصرى «حيث الكذب الحصري» وبرامج التوك شو المسائية التى كان مسيطرا عليها النظام بأجهزته الأمنية، ووزير إعلامه أنس الفقي، ومجموعة من موالسيه ومنافقيه المدعين الذين كانوا يحاولون أن يرعبوا المواطنين البسطاء وتخويفهم من الثورة ومن نزول الجيش إلى الشارع وترك الحدود. 


وصل الأمر ببعض منهم إلى الحديث عن تحركات إسرائيلية على الحدود، لإشغال الناس عن ثورتهم العظيمة ضد النظام المستبد الفاسد، وكذا التأثير على المواطنين الذين كانوا يجلسون فى بيوتهم، وصنع حالة من التعاطف مع النظام السابق، وأن يكتفوا بما وعد به من تغيير، وهو الذى لم يكن مؤمنا بالتغيير أبدا، لكن كل هذه المحاولات فشلت أمام هؤلاء المنافقين، من إعلاميين وسياسيين فضحهم إصرار الشعب على إسقاط النظام.


نجحت الثورة، وأسقط الثوار وميدان التحرير وميادين مصر، النظام الفاسد الذى لم يكن يرى غير نفسه، ولم يهتم أبدا بالشعب، حث كان كل همه الحفاظ على كرسي الحكم وتوريثه لابنه، وليذهب الجميع إلى الجحيم. 


نجحت الثورة وامتد تأثيرها إلى الوضع الإقليمى، لتعود مصر إلى موقعها الرائد، وتأثيرها الملهم للآخرين، لتخرج ثورات فى العالم العربى فى ليبيا ضد نظام القذافي الفاسد وأولاده، وفى اليمن ضد الديكتاتور والفساد، وفى سوريا ضد الجزار بشار الأسد وارث الفساد والاستبداد، والذين لم يتعلموا جميعا الدرس بعد من الثورة المصرية العظيمة، وما زالوا يصرون على التمسك بالسلطة بعد أن فقدوها شعبيا وشرعيا، ليستمروا فى جريمتهم العلنية بقتل شعوبهم بالدبابات والمدافع التى لم يستخدموها أبدا ضد أعداء أوطانهم الحقيقيين، فأصبح الشعب عندهم هو العدو، لكن الشعوب صامدة وتستلهم الثورة المصرية في الانتصار على المستبدين والفاسدين. 


تأثير الثورة المصرية العظيمة امتد إلى إسرائيل، بدءا من إشاعة الاضطراب فى الجيش والحكومة منذ أيام الثورة، مرورا بسقوط مبارك وحتى الآن، وعلى خلاف ما كان يذكره أتباع ومنافقو نظام مبارك من إعلاميين وسياسيين تم تجنيدهم لإشاعة روح الهزيمة لدى المصريين، فقد وصل تأثير الثورة المصرية إلى داخل الكيان الصهيونى، ليخرج الإسرائيليون فى الشوارع بمئات الآلاف ضد سياسات حكومة نتنياهو وينصبون خيام الاعتصام ويطالبون بأحد مطالب الثورة، من تحقيق العدالة الاجتماعية، ويرفعون شعاراتها، مثل «ارحل»، ووصل الأمر إلى أن تكون هناك لافتة مرفوعة فى الاعتصام «هنا مصر».. ليقول مسؤول إسرائيلى بارز: إن مصر أصبحت هنا. فى إشارة إلى تأثر الثوار الإسرائيليين ضد نتنياهو بالثورة المصرية، وكأن مصر احتلت إسرائيل دون حرب أو دبابات، أو مدافع أو ضربة جوية!


هذه هى مصر، ودورها وتأثيرها، حتى وهي في الوضع السلمى تستطيع التأثير على إسرائيل فى الداخل، وتغير من طبيعة القوى والتحالفات السياسية الهشة وتثير الرعب لدى الكيان الصهيونى.


مصر طوال عمرها مؤثرة، لولا أن خانها رأس النظام السابق، ولم يقدّر دورها وشعبها وجغرافيتها وتاريخها. كان رجلا موظفا، فسلم نفسه لإسرائيل وتخيل أنها ستحميه وتحافظ على سلطانه وستدعمه فى توريث حكمه، فاستجاب لكل ما يطلبونه بل وزيادة، فكان دائما ضد المصالحة الفلسطينية، وساعد فى حصار الفلسطينيين فى غزة، باع لهم الغاز -متبرعا- بأبخس الأثمان، وكان ويستمع إلى نصائحهم وينفذها حتى ولو كان ذلك على حساب دور مصر وعلاقاتها الإقليمية والدولية.


سقط النظام الفاسد في مصر في النهاية بثورة شعبية عظيمة، ورفع الإسرائيليون فى شوارعهم لافتة «هنا مصر».


ـــــــــــــــــ


رئيس تحرير جريدة التحرير المصرية