كتاب سبر

نهاية أسطورة الرجل الأخضر

للأسف سيتوقف الفاصل الكوميدي الذي بدأ منذ ستة أشهر، وقبلها بأربعين عاما، لن نجد أحدا نضحك على تصريحاته، وعلى ملابسه، وعلى شمسيته، وعلى توك توكه، وعلى كتابه الأخضر، والأبيض، وأي ألوان أخرى يفكر فيها، سيتوقف “كوكب الكوميديا” على قناة سبيس تون عن الدوران، بعد رحيل القذافي.

الرجل الأخضر الذي كنا نقرأ قصصه زمان في الكتب المصورة ونتصوره خيالا اتضح أنه حقيقة، ووجدنا أن اسمه، وأنه يحكم بلدا مجاورة، التي بدأت من أفلام الكارتون، وانتهت في أفلام الكوميديا، لكن لم تصل إليها قريحة إسماعيل ياسين ولا محمد سعد، صاحب كل حاجة خضرا، الكتاب الاخضر، والساحة الخضراء، والملوخية الخضراء لو أحب أيضا.

القذافي هو الرئيس الوحيد، الذي لا يعرف شعبه، فيسألهم من أنتم من أنتم، وهو أيضا صاحب الرئيس الوحيد الذي لا يعرف أنه رئيس، ألم يقل “أنا لو رئيس كنت رميت الاستقالة في وجوهكم، لكن أنا زعيم”، وطبعا الفارق كبير بين الزعيم والرئيس في رأي القذافي، القذافي هو الذي طالب بمطاردة شعبه، زنقة زنقة دار دار، فطارده الثوار أيضا زنقة زنقة دار دار، القذافي هو مستر إكس الذي ظن أنه لا ينتهي، في أفلام فؤاد المهندس، لكنه انتهى في فيلم معمر القذافي.

القذافي هو مثال للطاغية المثير للضحك، لدرجة ان عدد الصفحات التي تسخر منه على الفيس بوك  أكثر من عدد الصفحات الخاصة بشارلي شابلن شخصيا، الطاغية الذي حكم اثنين أربعين عاما بالحديد وبالنار، ثم يكتشف أنه ليس رئيسا وإنما زعيما، زعيم لمن، هو نفسه لا يعرف، كان مجنونا بالسلطة، أو مجنونا وخلاص، المهم إنه مجنون، وتخيل أنه خالد.. لم يحترم شعبه قط وقاد بلاده إلى التخلف على عكس الجغرافيا والتاريخ.. أضاع النضال الليبى ضد الاستعمار الإيطالى.. كان لا بد أن يثور عليه الناس.. وهو الذى كان يعتبر نفسه الثائر الوحيد فى العالم «!» كان يريد أن يورث السلطة لأبنائه.. كأن ليبيا أصبحت صنيعة خاصة.

لم يستوعب الدرس الذى خرج من تونس أولا بخلع زين العابدين بن على والتخلص من سطوة ونفوذ زوجته ليلى الطرابلسى بثورة شعبية خرجت على القهر والاستبداد الذى فرضه عليهم بن على لأكثر من عقدين.. ولم يستوعب الدرس الذى خرج من مصر ثانيا بخلع مبارك والتخلص من عصابته وتطلعه إلى توريث الحكم لابنه فى ثورة شعبية عظيمة بعد ثلاثين عاما من الديكتاتورية والاستبداد..

فى حين استوعب الشعب الليبى الثورة التونسية وبدأ الطموح يصل إليهم فى التخلص من الديكتاتورية.. إلا أن الثورة المصرية شجعتهم.. فلم يصبروا كثيرا حتى إنهم خرجوا إلى الشوارع قبل الدعوة التى كان محددا لها يوم 17 فبراير فخرج الناس يوم 15 فبراير.. وذلك بعد النجاح العظيم لثورة 25 يناير فى خلع مبارك يوم 11 فبراير.. ولم يستوعب القذافى ما يحدث حوله.. وتخيل نفسه الإله الذى لا يقترب منه أحد ولا يخرج عليه أحد.. لم يستوعب أن الشعوب العربية تتوق إلى الحرية والكرامة.. لكنه اعتبر الشعب الليبى جرذانا يجب القضاء عليهم واستخدم الأسلحة التى استنزف أموال البترول فيها ليقاتل بها الشعب.. استخدم الدبابات والمدرعات والصواريخ فى مطاردة الثوار من مدينة إلى أخرى ومن شارع إلى شارع ومن زنجة إلى زنجة.. استقدم مرتزقة ودفع لهم أموالا كثيرة من أموال الليبيين ليقتلوا الليبيين..

لم يستوعب كما لم يستوعب من قبله بن على ومبارك أن الشعب يريد.. وأن إرادة الشعب أقوى مما يتصورون وما يعتقدون أنه يحميهم.. فأراد الشعب إسقاط النظام.. فسقط النظام وها هى ذى ليبيا أصبحت حرة من العقيد القذافى وكتابه الأخضر ونظرياته العالمية الفاشلة.. سقط الرجل بعد أن أهان شعبه.. فأصبح مذلولا مطرودا.. وصبر الشعب الليبى العظيم حتى أسقط الزعيم المزيف وقاتلوه هو وعصابته المرتزقة وسقط آلاف من الشهداء والمصابين من أجل الكرامة والعزة.. سقط المجنون لتعود ليبيا إلى أهلها وأصحابها.. سقط القذافى ليلحق بصديقيه بن على ومبارك، وقد يلحق بهم قريبا طغاة جدد.. ولتبدأ ليبيا الجديدة.. وقد يكون حظ الليبيين أفضل من التونسيين والمصريين فى البناء الجديد..

إنه درس جديد للطغاة فى العالم العربى.. فالشعوب تريد إسقاط الأنظمة الاستبدادية.. وها هى ذى نجحت فى تونس ومصر.. وأخيرا ليبيا.. والبقية آتية.

أخيرا.. تحررت لييبا

.. وسقط العقيد القذافى..

.. وسقطت نظريته الثالثة..

.. وسقط الكتاب الأخضر

وعاشت ليبيا حرة مستقلة.

ــــــــــــــــــــــ

رئيس تحرير جريدة التحرير المصرية

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.