بعد انتهاء سباق التسلح الذي كان محتدماً بين أمريكا والإتحاد السوفيتي، الذي انتهى بفوز الأولى وتشظي الأخيرة، بدأ عصر سباق التسلق بين وزيرين في حكومة الشيخ ناصر المحمد (لم أقل إنهما وزيران في حكومة الكويت) على منصب “نائب رئيس الوزراء” الذي يشغله الآن د. محمد العفاسي.
والعفاسي يشغل المنصب شكلاً لا مضموناً، فالذي أنهى الدراسة الإبتدائية في أي منطقة تعليمية يعلم علم اليقين أن “وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء” – سأختصرها “دشمو” كما كنت أفعل في مقالاتي القديمة وهو اختصار مأخوذ من الحرف الأول لكل كلمة في هذا المسمى الطويل – أقول إن دشمو،علي الراشد، ود. أماني بورسلي، والشمالي وغيرهم من وزراء الشيخ ناصر لن يلتفتوا إلى العفاسي ولن يعيروه اهتمامهم، فالعفاسي رجل غلبان على باب الله، في حين أن الراشد، مثلاً، “يأكلها ودمها يقطر” كما يقول المثل، لا يشاركه في أكلها إلا البصيري، وهما يعرفان أن العفاسي خجول وأن خجله ينعكس على أدائه الوزاري وعلى طموحه، ويدركان أن منصبه هذا ليس إلا مباراة التكريم له قبل اعتزاله.
وخالد الفيصل يقول: “إلى صفا لك زمانك عل يا ظامي . . واشرب قبل لا يحوس الطين صافيها // الوقت لو زان لك يا صاح ما دامِ . . لا بد ما تعترض دربك بلاويها”، وعلي الراشد ود. محمد البصيري يحفظان جيداً هذين البيتين ويرددانهما كلّ في خلوته.
ولعلني لا أكشف سراً عندما أقول إن التنافس بين الوزيرين يدفع كلا منهما إلى الخوف من الآخر، بل أضيف إلى ذلك أنهما يتبادلان البغضاء تبادل الشعارات بين كباتن المنتخبات، ولا يخفيان ذلك، ولن يخفياه، إلا إذا اضطرا إليه، ورئيسهما يعلم ذلك، ويسعد له، والشيوخ الوزراء يعلمون ذلك أيضاً.
البصيري، قبل توزير الراشد والمليفي، كان في طريقه إلى قمة الجبل، باعتباره المتحدث الرسمي للحكومة، والذي يتواصل، بحكم منصبه، قبل كل تصريح مع رئيسه ويخلو به في “المختصر”، وهو ما جعله يوهم رئيسه أنه “أبو زيد الهلالي” الذي يشرف على توزيع الغنائم ويضع الخطط لبني هلال، واستطاع اقناع الرئيس أن الأمور “أندر كنترول”، وسعدَ به الرئيس فأوكل إليه مهمة تنظيف قاعتي البرلمان ومجلس الوزراء بعد كل سهرة عك يعكها أو تعكها حكومته العكّاكة، ويتأكد من ترتيب “المساند” بعد السهرة، ورش معطر جو، ووو…
وكان البصيري هو نجم الشباك، ثم فجأة، أو قل فجعة، تم توزير الراشد، يا ربااااه، على رأي المعلق الإماراتي، فمسح البصيري على ذقنه ثم “حط الحرة في فخذه” وراح يضربها ضرب غرائب الإبل، إذ أدرك أن “الصيدة أقفى بها العجاج” وقد يلحق بها الطير والسلوقي (الطير تقال للصقر فقط، والسلوقي هو الكلب المخصص للصيد) وراح يغني: “طيري غدى والسلوقي راح . . لا واحلالاه يا طيري)، وكلمة غدى تعني ضاع، فالراشد مقرب بشكل يكاد يصل إلى حد الالتصاق برئيس الحكومة، ثم إنه قوي و”مبلتع” ولا يتورع عن استخدام السلاح النووي في أي وقت لينقل المعركة من ميدان الموالاة والمعارضة إلى ميدان الحضر والبدو، وهو ما يريده رئيسه، ثم إن بين الراشد وبين كتلة العمل الوطني نسباً قديماً وجسوراً وخطوط اتصالات، وبالأخص عبد الله الرومي، رئيس كتلة الوطني، والمطلوب من الراشد اقناع الرومي بتحييد جبهة الوطني وتبريدها، والكتلة كما تعلمون حبّوبة وطيوبة، ولديها مساحة كبيرة يمكن التفاوض من خلالها، ولديها كذلك “قناة سويس” خاصة بها تسمح بمرور العبارات ليلاً ونهاراً، وبالأخص ليلاً، وبالأحضان يا بلدي.
والأهم من هذا كله أن الراشد قانوني (كان قاضياً سابقاً.. أي والله) يعرف إحداثيات الثغرات، كما يقول العسكريون.. كل هذا جعل الأمور تسير في الإتجاه الذي رسمه لها الراشد، لذا فقد ضبط توقيت ساعته في انتظار انتهاء الفصل التشريعي الحالي، ليصحب العفاسي إلى محطة القطار ويلوّح له مودعاً، ويعود ليخلفه ويتسلم مكانه، فالأمر ليس إلا “مسافة السكة”.
لكن المعلق المصري الشهير علي زيوار، رحمه الله حياً كان أو ميتاً، كان يشدد ويحذر: “مفيش حاجة مضمونة في اللعب.. ممكن تتغير المباراة في ثانية واحدة” وهذا بالضبط ما حدث للراشد، فقد دخل الوزير أحمد المليفي على الخط، بعد أن اكتشف بدهائه المعروف مكان الكنز، وآه من هذا المليفي القانوني، ذي الخبرة البرلمانية، والذي لا يقل “بلتعة” عن الراشد إن لم يتفوق عليه. وإذا كان الراشد “يأكلها ودمها يقطر” فالمليفي على استعداد أن يأكلها وهي حية ترعى بين أمهاتها.
وهذا هو سبب انطلاق لسان المليفي في التصريحات التي تخص وزارته والتي لا تخصها، وهو ما أثار استغراب الناس.. لكنه فجأة سكت! ليش؟ الجواب: أدرك الراشد أن المليفي دخل على الخط، فطلب من الرئيس اسكاته كي لا تتقاطع التصريحات فينعكس مردودها سلباً على الحكومة، فأمر الرئيس المليفي بالسكوت فسكت.
لكن هذا لا يعني أن المليفي خرج من النهائيات مثل البصيري الذي خرج من الدور الأولى بنظام خروج المغلوب.. لا أبدأ.. المليفي منافس شرس، وأظن أنه والراشد لا يتبادلان المحبة في وقتنا الراهن، حتى وإن تظاهرا بذلك.
ولم أشفق إلا على روضان الروضان الذي كان وزيراً وطمح إلى منصب نائب رئيس الوزراء، فاستقال، فأكملت الحكومة سهرتها دون أن تمد إليه ورقة منديل يمسح بها دموعه.. السبب أن طموحه جاء في الوقت غير المناسب، ثم إن شخصيته ليست شخصية نائب رئيس وزراء في عهد الشيخ ناصر، فهو يخاف من منظر الدم، وقد يرحم الخصوم، وهذا أمر لن يوافق عليه رئيسه، أما الراشد والمليفي فـ”مصبوبين صب”.
أقول هذا وأنا أنظر إلى سباق التسلق وأنتظر نتيجته، لكن ويا للعجب.. سيفوز بسباق التسلق الأكثر هبوطاً بينهما، وسينهزم الأعلى.
أضف تعليق