محليات

السكوت عن الفضيحة المليونية مخالف لاتفاقيات دولية التزمت بها الكويت

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الفضيحة المليونية التي كشفتها جريدة القبس قبل أيام قليلة, والتي ذكرت فيها الجريدة قيام عضوين من أعضاء مجلس الأمة الحالي بإيداع مبلغ 25 مليون دينار كويتي في أحد البنوك المحلية, وسوف نحاول من خلال هذه الدراسة بيان بعض الجوانب القانونية المتعلقة بهذه المسألة:


إن الاحتمال الأول الذي قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى هو أن هذه الأموال هي عبارة عن غسيل أموال, والتي يقصد بها أية عملية مالية أو غير مالية تهدف إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع.  وطبقا للمادة 3 (4) من القانون رقم 35 لسنة  2002 في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال يجب الإبلاغ عن أية معاملة مالية مشبوهة, حيث تنص هذه المادة على انه:


“يجب على البنوك وشركات الاستثمار ومؤسسات وشركات الصرافة وشركات التأمين وغيرهما من المؤسسات المالية والأشخاص الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير المالية, الالتزام بما يلي:


4- الإبلاغ عن أي معاملة مالية مشبوهة اتصل علمها بها”


وقد رتبت المادة 11 من هذا القانون العقوبة على من يقصّر في أداء هذا الالتزام القانوني, حيث جاء فيها أنه: “يعاقب الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألف دينار, أو بإحدى هاتين العقوبتين …. كل من يتعين عليه الإبلاغ وفقا لأحكام البند 4 من المادة 3 من هذا القانون ولم يبلغ عن معاملة مالية مشبوهة اتصل علمه بها..”


وهنا يجب أن نبين ثلاثة مسائل هي كالتالي:


أن الجهة المختصة بتلقي البلاغات عن مثل هذه المعاملات المالية المشبوهة هي النيابة العامة وليس البنك المركزي كما يشاع في الصحف ووسائل الإعلام, حيث جاءت المادة 5  صريحة في هذا الخصوص, والتي نصت على انه “يحدد النائب العام الجهة المختصة بالنيابة العامة لتلقي البلاغات عن عمليات غسيل الأموال المنصوص عليها في هذا القانون”


أن الشخص الذي يقدم البلاغ في هذه الحالات يجب أن لا يخشى أية مساءلة قانونية فيما لو ثبت عدم صحة اعتقاده طالما أنه كان حسن النية, وفي ذلك تقول المادة 14  على انه “يعفى من المسئولية الجنائية أو المدنية أو الإدارية الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريون الذين يقومون بحسن نية بإبلاغ معلومات وفقا لأحكام هذا القانون, حتى لو تبين سلامة وعدم إدانة العمليات المرتبطة بهذه البلاغات”. وهدف المشرع من ذلك واضح وهو تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن هذه الجرائم الخطيرة من أجل مكافحتها, بل إن المشرع أجاز في المادة 10 من هذا القانون للمحكمة أن تعفي من العقوبة كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات المختصة عن الجريمة ومرتكبيها قبل علم هذه السلطات بهذه الجريمة.


أن سرية العمل المصرفي وواجب عدم إفشاء عن المعلومات المصرفية لا يتعارض مع البلاغ الذي يجب على الأفراد تقديمه إلى النيابة العامة لأن القانون أوجب الإبلاغ عن أية معاملة مالية مشبوهة, ومن ثم لا يمكن التحجج بسرية المعلومات المصرفية بهذا الخصوص.


أما الاحتمال الثاني – وهو وارد أيضا في هذه الحالة – وهو أن تكون هناك جريمة رشوة قد وقعت على اعتبار أن عضو مجلس الأمة يعتبر موظفا عاما طبقا للمادة 43 من القانون رقم 31 لسنة 1970, والتي جاء فيها أنه “يعد في حكم الموظف العام في تطبيق نصوص هذا الفصل: … ب- أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معيين”. فهنا يكون على كل من علم بوقوع هذه الجريمة واجب الإبلاغ عنها ليس فقط بموجب قانون مكافحة غسيل الأموال المشار إليه أعلاه, بل أيضا بموجب المادة 14 من قانون الإجراءات الجزائية, والتي جاء فيها أنه: “كل شخص شهد ارتكاب جريمة أو علم بوقوعها, عليه أن يبلغ بذلك فورا أقرب جهة من جهات الشركة أو التحقيق.  ويعاقب من امتنع عن البليغ, ممالأة منه للمتهمين, بعقوبة الامتناع عن الشهادة …”. والملاحظ هنا طبقا لهذا النص أننا لا نتكلم عن مجرد الاشتباه بعدم مشروعية المعاملة المالية كما في قانون مكافحة غسيل الأموال, بل نتحدث عن علم تام بهذه الجريمة سواء كانت رشوة (أو حتى جريمة غسل أموال) إذا توافر العلم اليقيني لدى الفرد الذي شهد بنفسه ارتكابها أو علم بها بعد وقوعها.


أما الاحتمال الأخير فهو أن تكون جريمة من جرائم التعدي على المال العام قد وقعت من هؤلاء الأعضاء, وواجب الإبلاغ عن هذه الجريمة الذي يقع على الكافة.  وفي ذلك تنص المادة 18 من القانون رقم 1 لسنة 1993 في شأن حماية الأموال العامة على أنه: “كل من علم بوجود مشروع لارتكاب جريمة مما نص عليه في هذا القانون أو علم بوقوعها بالفعل وامتنع عن إبلاغ ذلك إلى النيابة العامة أو ديوان المحاسبة يعاقب بالحبس مدة لا زيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين”. والملاحظ هنا أن هذا النص لا يتكلم فقط عن واجب الإبلاغ عن الجريمة بعد العلم بوقوعها, بل يتحقق هذا الالتزام لمجرد العلم بوجود مشروع لارتكاب جريمة من جرائم الاعتداء على المال العام. 


وإذا كان ما سبق يتعلق ببعض الجوانب القانونية للفضيحة المليونية من ناحية قواعد القانون الداخلي, فإن المسألة على مستوى القانون الدولي تبدو أكثر خطورة, فالسكوت عن هذه الجريمة ومحاولة التستر عليها من قبل السلطات المعينة بالإضافة إلى كونه مضر بالتصنيف الائتماني للبنوك الكويتية ومن شأنه أيضا الإساءة أكثر للتصنيف الدولي لدولة الكويت من حيث الفساد, فهو يتضمن مخالفة دولية لاتفاقيات دولية التزمت بها دولة الكويت بهذا الخصوص, ومنها على الأخص:


اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 والتي صادقت عليها دولة الكويت في عام 2006, والتي أوجبت على الدول الأطراف القيام بكل ما يلزم لمكافحة جرائم الفساد المتمثلة بالرشوة وغسيل الأموال والاختلاس واستغلال النفوذ واستغلال الوظيفة والإثراء غير المشروع.


اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000, والتي صادقت عليها دولة الكويت في عام 2006, والتي أوجبت على الدول الأطراف مكافحة الجريمة المنظمة بما في ذلك جريمة غسيل الأموال.


وعليه فإن عدم تحمّل السلطات المعنية في الكويت مسؤوليتها الكاملة في مواجهة هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها من شأنه أن يثير مسؤولية الكويت الدولية بسبب عدم احترامها لالتزامها الدولية على النحو المشار إليه سابقا.



د. ثقل سعد العجمي


أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت