كتاب سبر

ماذا تقول الثورة المصرية للثورة السورية؟

عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، كانت مصر من أوائل الدول التي تعلن تحررها من قبضة الاعتصام، لكنها كانت أيضا من أول الدول التي تعلن دعمها لحركات التحرر في إفريقيا والوطن العربي، كان عبد الناصر، يحلم بوطن عربي واحد محرر من “الخليج إلى المحيط”، كما كان يصفه في خطبه، كان ينتقل من سوريا إلى الجزائر إلى دول عدم الانحياز، يدعو إلى تحررها من بوتقة الاستعمار، ويدعمها في ذلك، وظلت كثير من الدول الإفريقية تدين لمصر بالفضل طوال السنوات الماضية، وتتغاضى عما فعلته سياسات مبارك معها، بسبب دعم ثورة يوليو ، وعبد الناصر لها.

الآن قامت في مصر ثورة، ربما أعظم من ثورة يوليو، لأن الشعب هو ما قام بها هذه المرة، تغيرت كثير من الأمور في مصر، لكن مصر لم تقم بدورها في دعم الثورات العربية المجاورة، لم تعلن مصر “الرسمية”، عن موقفها من ثورة ليبيا، حتى دخل الثوار الليبيون باب العزيزية، وأعلنوا رسميا نجاح ثورتهم، وفي المقابل لم تعلن مصر موقفها من ثورة ليبيا حتى الآن، ولم يصدر منها أي رد فعل حتى الآن على ما يحدث في سوريا، لا يوجد أي موقف رسمي على المذابح التي يقودها بشار كل يوم ضد شعبه، هذا الموقف لا يختلف بأي حال من الأحوال عن موقف مصر “الرسمية أيضا”، قبل الثورة، من ثورة تونس؟

الثوار فى سوريا وجهوا رسالة إلى ثوار مصر الذين يتظاهرون أمام السفارة الإسرائيلية، مطالبين بطرد السفير. وكتبوا على لافتة رفعوها “يا ثوار مصر.. ما الفرق بين السفير السورى والسفير الإسرائيلى؟! كلاهما يشرب الدم العربى”، هذا هو حال الثوار فى سوريا.، ينتظرون من مصر الثورة وثوارها دعمهم فى نضالهم السلمى ضد الاستبداد والفساد، فثورة 25 يناير العظيمة التى أسقطت نموذجا «فجا» للاستبداد والفساد هى التى ألهمت السوريين ليخرجوا ضد استبداد ابن الأسد.

خرجوا مستلهمين سلمية الثورة المصرية وشعاراتها المتمثلة فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والشعب يريد إسقاط النظام، وإطلاق الأسماء على مليونيات الجمع، شجعهم المصريون الذين تشجعوا بالتونسيين فى الثورة على النظام، خرجوا حاملين رؤوسهم وأكفانهم على أيديهم فى سبيل تحرير وطنهم من الاستبداد الذى أصبح أفظع من الاحتلال الأجنبى، لكن الأسد فى سوريا كان لهم بالمرصاد، وأطلق عليهم البلطجية أو الشبيحة، وقوى الأمن وقوات الجيش المسيطرة عليها طائفته، ليقاتلوا السوريين المسالمين الذين خرجوا من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، وأمام المجازر الفظيعة التى يرتكبها بشار الأسد يستمر الشعب السورى فى ثورته، ولم يهدأ ويخرج يوميا بالليل وبالنهار يطالب بإسقاط النظام.، ولم يتعلم بشار الأسد من الأنظمة التى سقطت وتهاوت وأصبحت فى مزبلة التاريخ، لم يتعلم من زين العابدين بن على، الذى لم يجد ملاذا آمنا يهرب إليه إلا السعودية فى النهاية، لم يتعلم من حسنى مبارك، الذى ظل يعاند حتى آخر وقت، ليكون مصيره المحاكمة المذلة أمام العالم كله، وهو الذى كان يعتبر نفسه حكيما أمام قادة العالم، لم يتعلم من مصير القذافى الذى فر هاربا من بيت صموده فى العزيزية أمام جبروت شعبه الذى صبر عليه 42 عاما بينها 6 أشهر يقاتلهم بمرتزقته وكتائبه وبالدبابات والصواريخ.

لم يتعلم الأسد شيئا من أول يوم خرج فيه السوريون فى الثورة عليه، لم يجر أى إصلاح يذكر، ولا يريد تسليم السلطة وينقذ نفسه وبلده من انهيار كبير.. إنه يريدها خربة كما كان يريدها من سبقوه.

إنهم دائما يهددون.. إما هم والاستقرار وإما الفوضى. قالها قبله بن على، وبعده مبارك يوم 29 يناير فى خطابه الشهير بعد جمعة الغضب 28 يناير، وخطابات القذافى المتعددة.. ومع هذا سقطوا جميعا.

ودون شك ما يحدث فى ربيع الثورات العربية فى ليبيا، واليمن، وسوريا، وحتى ما جرى فى البحرين التى أجهضت بشكل مريب، هو تأثر بما جرى فى ثورة 25 يناير العظيمة، ومن ثم كانت نظرة ثوار تلك الدول إلى مصر مختلفة عن النظرة إلى أى دولة أخرى.

ودون شك أيضا نجاح أى ثورة على الأنظمة الفاسدة والمستبدة هو نجاح للثورة المصرية ويشد من أزرها، فمصر الثورة غير مصر مبارك.. هذا أمر واضح ولا شك فيه.

من هنا أصبحت نظرة الثوار إلى مصر، فى الدول التى تناضل ضد الاستبداد، مختلفة، فهم فى انتظار دعمهم، حتى لو كان معنويا.

هم يدركون أن الشعب معهم قلبا وقالبا، لكن يريدون دعم مصر الثورة، دعم الذين يديرون شؤون بلاد مصر الثورة..

وللأسف، هناك حالة صمت غريبة تجاه ما يحدث فى سوريا، مثل الحالة التى كانت تجاه ليبيا قبل انتصار الثوار وهروب القذافى.

الشعب المصرى يريد إسقاط كل الأنظمة الفاسدة، وعلى رأسها نظام الجزار بشار الأسد.

فهل استطاع أحد أن يضبط وزير الخارجية مثلا (هل هناك أحد يعرفه؟) معلنا مساندة مصر للشعب السورى فى حقه فى ثورته التى رفع فيها شعارات الثورة المصرية، أو استطاع أحد أن يضبط عصام شرف، رئيس حكومة الثورة (!!) وهو يعلن مساندة الثورة فى سوريا أو الانحياز إلى الشعب السورى فى تحقيق مطالبه على غرار ما فعلته تركيا فى رسالة واضحة لنظام بشار الأسد؟

الثورة المصرية تدعم الثورة السورية، لكن ماذا عن “حكومة” الثورة المصرية، ما رأيها فيما يحدث؟ نتمنى أن نسمع الإجابة.