حسناً فعل بنك الكويت الوطني باتخاذه إجراءات فعلية لتحويل عدد من أعضاء مجلس الأمة ممن تضخمت حساباتهم البنكية بشكل مشبوه خلال الفترة القليلة الماضية، وتبقى المسؤولية الآن ملقاة على عاتق السلطة القضائية للتحقيق وتتبع مصادر هذه الأموال، مع الأخذ بالاعتبار متابعة الرأي العام لهذه القضية المثيرة ومدى تأثيرها على الثقة في القطاع المالي والمصرفي الكويتي الذي تعرض لانتقادات خطيرة في تقرير صندوق النقد الدولي الأخير وصلت إلى حد وصفه بـ”بيئة جاذبة” لعمليات غسل الأموال ووجود ثغرات لا حصر لها تجعل من الكويت بيئة خصبة لعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
إذا ما افترضنا الجدية في البلاغ المقدم من قبل بنك الكويت الوطني والجدية كذلك في التحقيق في القضية من قبل النيابة العامة، فإنه من المتوقع لهذه القضية أن تكون بمثابة رأس جبل الجليد الذي سيتكشف بعد أن يطلب النائب العام من البنوك الأخرى معلومات عن أية أرصدة لهؤلاء النواب الخمسة أو أي نواب آخرين يتم تحويلهم بعد ذلك (العدد يتوقع أن يصل إلى 13 نائباً ونائبة)، وهنا ستقع البنوك – التي لم تبادر من تلقاء نفسها بتحويل أية تعاملات مشبوهة إلى النيابة – تحت طائلة قانون غسل الأموال الذي تنص مادته الثالثة على أن تقوم البنوك والمؤسسات الاستثمارية بالتبليغ عن أية عمليات مالية مشبوهة اتصل علمهم بها، وتحدد المادة الحادية عشر من ذات القانون عقوبة عدم الالتزام بالتبليغ بالحبس لمدة لا تزيد عن 3 سنوات لكل من لم يبلغ عن معاملة مالية مشبوهة اتصل علمه بها.
تبقى الإشارة إلى أن تضخم أرصدة بعض أعضاء مجلس الأمة أمر ليس بالمستغرب في ظل تفشي ظاهرة المال السياسي، ويستطيع كثيرون تحديد أسماء النواب المعنيين من خلال مواقفهم في قاعة عبدالله السالم، وما على المتابع إلا مراجعة كشف الرافضين لعقد الجلسة الطارئة الخاصة بمناقشة الحسابات المليونية الأخيرة، خصوصاً إذا ما علمنا أن النواب الخمسة المحالين إلى النيابة حتى الآن هم من الرافضين للجلسة، ولا يمكن لأحد أن يتوقع أن تبادر الحكومة إلى التعاون في مجال الكشف عن مثل هذه العمليات المشبوهة التي تمس أغلبيتها الوهمية في مجلس الأمة.
العمل النيابي والسياسي والقطاع المصرفي والمالي في الكويت أمام مرحلة مهمة ومنعطف خطير، فإما أن تتنصر السلطة التشريعية ومؤسسات القطاع المالي ومن خلفهم السلطة القضائية للكويت ومستقبل أجيالها وتُفتح جميع الملفات ويحاسب كل متورط في جو من الشفافية العالية التي تعيد الثقة محلياً ودولياً لدولة المؤسسات في الكويت، وإما أن تستمر مرحلة التردي المتسارع وتذهب الكويت وسمعتها ومستقبل أجيالها إلى الهاوية في ظل “شرعنة” غسل الأموال والإثراء غير المشروع لنواب مجلس الأمة.
أضف تعليق