كتاب سبر

قانون الطوارئ.. ومتلازمة استوكهولم

أكثر ما يحزن المصريين الآن، هو شعورهم أن ثورتهم سرقت منهم، إحساسهم بأن ما خرجوا لأجله لم ينفذ حتى الآن، لم يخرج الملايين من المصريين إلى الشوارع لإسقاط رأس النظام فقط، بل لإعادة بناء دولة، لإلغاء القوانين الظالمة ، ولذلك كانوا يحملون اللافتات قبل ست سنوات من الثورة، التي تقول “لا للتمديد، لا للتوريث”، “لا لقانون الطوارئ”.


الآن عاد قانون الطوارئ، الأصح أنه لم يلغ أصلا، لم يلغ منذ ستين عاما، إلا شهورا معدودة، المطلب الملح قبل الثورة بإلغائ قانون الطوارئ، لم تستطع الثورة أن تستجيب له، لم تستطع أن تلبي حلم المصريين بأن يعيشوا في ظل قوانين عادية، مثلهم مثل بقية بلاد الله خلق الله.


ذهب مبارك، ولكن بقيت قوانينه ، الظالمة الجائرة، يرفض المصريون حكمهم بالطوارئ، لكن يخرج من يسمون أنفسهم “أبناء مبارك”، الجمعة الماضية، ليتظاهروا رافعين لافتات “نعم للطوارئ”،  أي عاقل يريد الطوارئ ؟، من يريد أن يحكم بالحديد والنار؟ من يريد أن يحاسب دون ذنب جناه، ويسجن دون سبب، ولا يحاكم دون مبرر؟ لا جواب لدي سوى أنها “متلازمة استوكهولم” التي يعاني منها أبناء مبارك.


متلازمة استوكهولم، لمن لا يعرف ، هو مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى حادثة حدثت في استوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، و اتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، و قاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم، وأعتقد أن هذا هو ما حدث مع من يسمون أنفسهم “أبناء مبارك”، فتارة يتعاطفون، مع مبارك، رغم أنه أصاب المصريين بالفقر والأمراض، وسرق أرضهم، ونهب أموالهم، وسمم ماءهم ، وطعامهم، وهو نفس ما يفعلونه مع قانون الطوارئ الآن.


لا يستخدم الطوارئ إلا من كان ضعيفا، والنظام السابق كان ضعيفا وهشا.. وبسياساته جعل الدولة تصنيفها «فاشلة».. ولم يستطع أن يعيش يوما دون طوارئ. كان يستخدم الطوارئ ضد معارضيه.. وفى تزوير الانتخابات، وتارة يستخدمه بأنه كان ضد الإرهاب.


لكن يأتى اليوم وبعد الثورة، ليتم فرض الطوارئ مرة أخرى ، ويخلف القائمون على البلاد وعدهم، بأن قانون الطوارئ فى وضع مجمد وسيتم إلغاؤه مع الانتخابات البرلمانية، هكذا قال الذين يديرون البلاد بعد أن وثق بهم الشعب الذى سلّمهم السلطة بعد خلع مبارك.. ولكن ها هم أولاء يخالفون وعودهم.. ولم يبقَ سوى أيام على بدء معركة الانتخابات البرلمانية.. ويجرى تفعيل الطوارئ تحت حجة أن البلد فى وضع حرج.


أريد أن أقدم تحية لكل الذين خرجوا الجمعة الماضية حتى إن كان عددهم قليلا لرفض قانون الطوارئ.. ولعلنا نذكر أن مخاض الثورة قام على تظاهرات لأعداد قليلة فى البداية.


أريد أن أقول للذين يديرون شؤون البلاد.. ويا أيها الذين تريدون جنى ثمار الثورة مبكرا.. التاريخ لن يرحمكم.


أقول للمصابين بمتلازمة استوكهولم : ربنا يشفيكم.


أقول للذين يهللون للطوارئ:  لا للطوارئ