آراؤهم

أنين وطن!!

ليلة البارحة كان هناك صوت أنين بالقرب مني كان يصدر من كل اتجاه، وله صدى من تحتي ومن فوقي، وعن يميني وشمالي، استيقظت على إثره فزعاً من ذلك الأنين، وشاهدت سيدة جالسة على الأريكة بزاويه الغرفة، بكل أنفة وشموخ اقتربت منها، وجلست على ركبتي أمامها، والأسئله في ذهني تتراكم، وباشرتها بسؤالين في آن واحد من أنت؟ ولماذا يا سيدتي تأنين؟، فرفعت ناظريها باتجاهي، وأجابت: أنت ستتعرف علي من خلال حديثي، أما أنيني مصدره قلة من أبنائي. قاطعتها بالكلام مسرعا، وقلت هل هذا الأنين مصدره هم! أم أن هناك أشياء أخرى؟ فقالت والهم يعتصر قلبها يابني أنيني هو سبب قلقي عليكم، فأنا أتحمل أكثر مما تتصور ولكن لم أكن أتصور أن الألم يمكن أن ينتشر بينكم ويسكنكم، ولم أتصور أن يكتب عني وعن تاريخي بالزور، ولم أتصور أن بعض أبنائي يصل بهم الحال إلى هذا الحد و هنا قاطعتها وقلت سيدتي: هل هذا واقع؟ أم مجرد ثرثرة وهذيان؟ مع اعتزازي الشديد لشخصك الكريم: ثم لماذا أغمضتي عينيك للتو؟ فقالت يا بني: تحتاج أحيانا إغماض عينيك؛ لتتجاهل واقع مرير، وهذا ما قمت به بني: أعجب من أبنائي، فما أولعهم بالاشتغال بشؤون غيرهم وما أبعدهم عن حسن الاختيار للرجال الأكفاء، اختلطت الأمور عليهم وأضاعوا طريقهم، وأصبح الأغلب يتكلم ولا يسمع، ويفسر كل شئ وهو لا يعلم شئ، ويدقق على كل شئ وهو لا يرى شئ؟ بني: السعادة تكون أكثر عند براءة التعبير ومحبة من حولك، لا بإشعال الفتنة وتقسيم المجتمع والارتماء بأحضان الطامع. 

بني، هل عرفتني الآن؟ أجبتها مسرعاً بالتأكيد، فأنت أمي و حضني وبلسم جراحي وعرضي وشرفي، أنت باختصار وطني وهوائي الذي استنشقه. بالله كم أحبك وكم يحبك أبناؤك. ابتسمت وقالت لي سعدت بك، يقينا أن روحك معلقة بي يا بني: كثيرة هي الحروف التي تتزاحم بداخلي وأعدك بأنني سآتيك غداً؛ لأكمل لك بقية حديثي وسبب أنيني، ونهضت بكبرياء وقالت: “أستودعك الله سأرحل”، قلت: كيف ترحلين وأنت بداخلي، ابتسمت وقالت: “سأرحل عن ناظريك فقط؛ لأعود وأسكن قلبك الحزين؛ لتطمئن وسأراك لاحقاً، وللحديث بقية.