كتاب سبر

حصانة خطيب الجمعة

ينطلق النائب من قاعدة شعبية صوتت له فأوصلته إلى قاعة عبدالله السالم.. ليتكلم بكل حرية، متمتعا بحصانة برلمانية تحميه وتكفل له حق التعبير.. وهو قطعا – أي النائب –
لا يحظى بقبول كل الأطياف الشعبية ولا يمثل رأيها جميعا، بل إن القاعدة التي انتخبته قد لا تكون مقتنعة به تماما، نتيجة لتغير المواقف (مواقف النائب أو مواقف القاعدة)، ثم إن هناك من صوتوا له بدافع الفزعة الطائفية أو القبلية أو المناطقية أو الفئوية.. أو الفزعة بمقابل (مادي أو معنوي).
وفي الوقت ذاته ينطلق خطيب الجمعة من قاعدة عامة غير محسوسة، لكنها غير مرئية، تضفي على هذا المقام محبة وصدقية، أعطته إياها سلوكياته والتزامه وحفظه للقرآن الكريم واتباعه السنة النبوية ووقوفه في المنبر الطاهر.. منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وفي الوقت الذي يتكلم فيه النائب بكل حرية وبلا خوف، يتردد خطيب الجمعة في إبداء وجهات النظر الإسلامية في القضايا الآنية، خوفا على «لقمة عيشه».. وفي الوقت الذي تذبح فيه الشعوب الإسلامية، يتحدث خطيب الجمعة عن أشياء جانبية تقل أهميتها في ظل حضور الدم المستباح، فغسل الجمعة أو اتباع الجنائز أو فضل صيام الست من شوال أو غيرها من جوانب الفقه يجب أن يتراجع الحديث عنها في أوقات الملمات والنوازل الكبيرة، التي تذبح فيها الشعوب، وتستباح الأموال العامة وأعراض الناس، لكن خطيب الجمعة ممنوع من الخوض في هذه المسائل، لأنها ليست من اختصاصه، فاختصاصه لا يتعدى تلك المسائل الفقهية، وعليه ترك المسائل السياسية والاجتماعية الكبيرة لنواب.. تتوزع مواقفهم وفق مصالحهم، في دول علمانية وإن لم تظهر علمانيتها.
أظن أن منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستحق حصانة سياسية أكثر مما يستحقه منبر سياسي مشكوك في نزاهته.. وقد كان الناس يضعون ثقتهم في خطيب سمى نفسه القوي الأمين، وعندما ترك المنبر.. نزع الله
منه ثقة الناس