سيكون على مصر أن تنتظر عامين آخرين، حتى تحصل على رئيس منتخب من الشعب، فبحسب الجدول الزمني الذي وضعه المجلس العسكري للأمور في مصر، ستصبح الانتخابات الرئاسية عام 2013، وهو ما يعني أيضا أن المجلس العسكري سيستمر عامين يدير شؤون البلاد، وتستمر الحكومة الانتقالية، التي أحبطت المصريين، عامين آخرين.
المشكلة الحقيقية ليست في تأخير الانتخابات الرئاسية فقط، وإنما في التخوف لدى الشعب المصري من أن يصل العسكر إلى حكم مصر، أو أن يكون هذا التأخير محاولة لإظهار رغبة المجلس العسكري في البقاء في السلطة، هذا التخوف بدأ الظهور منذ فترة طويلة، لكنه ازداد بعد جولة رئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي في وسط القاهرة بالبدلة “المدنية”؛ إذ اعتبره البعض رسالة إلى المرشحين المحتملين للرئاسة بأن المجلس العسكري لديه مرشحه أيضا.
من حق المشير حسين طنطاوي أن يتجول في وسط البلد، ومن حقه أن يرتدي بدلة مدنية، لكن ليس من حق تليفزيون الدولة، الذي يفترض أنه مملوك للشعب دافعي الضرائب، أن يخرج ويهلل بأن المشير عندما يمشي بدون حراسة فهذا يعني أنه يصلح لرئاسة مصر، وليس من حق الصحف القومية أن تعتبر ذلك رسالة بأن الشعب الذي التف حول المشير لتحيته في شارع قصر النيل، يريده رئيسا، وليس معنى ذلك أن تسرق الثورة، وتباع للمجلس العسكري.
لا أريد أن أربط بين جولة المشير، وإعلان المرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد سليم العوا، تعليق حملته الانتخابية، فالعوا، حسبما ذكر لديه حسابات أخرى، فهو أعلن تعليقها حتى يتم اتخاذ إجراءات جادة لنقل السلطة فى البلاد من المجلس العسكرى والحكومة المؤقتة إلى سلطة مدنية منتخبة، تحقيقا للهدف الرئيسى من الثورة المصرية المجيدة.
متى يتحقق هذا الهدف؟ لا أحد يعرف، متى تنتقل السلطة في البلاد من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة؟ لا أحد يعرف أيضا؟ لا أحد يعرف إلى أين تسير الأمور في مصر، وهذا شيء جد خطير.
فبالرغم من إعلان المجلس العسكري جدول زمني للانتخابات البرلمانية، ثم وضع الدستور، ثم الانتخابات الرئاسية، إلا أن أحدا لا يأخذ الأمور على محمل الجد، أو لا احد يصدق، لأن المجلس يتخذ قراراته بشكل منفرد، ويعلن إعلانه العسكري بشكل منفرد، بعيدا عن القوى السياسية، والشعب.
هنا أود الإشارة إلى أن الكثيرين هاجموا، المرشح المحتمل الآخر للرئاسة الدكتور محمد البرادعي لأنه لم يطلق حملته للرئاسة بعد، لكن يبدو انه كان الأبعد نظرا، لأنه حتى الآن لم يتضح شيئا، في ظل سياسات المجلس العسكري والحكومة، التي جاء رئيسها من الميدان، لكي يستقر في مجلس الوزراء، وينسى الميدان تماما.
سياسات المجلس العسكرى أفقدته ثقة الكثيرين من الثوار، من خلال إطالته الفترة الانتقالية التى قد تمتد إلى أكثر من عامين، وفقا لما هو حادث الآن من حالة ارتباك، وإصراره على العمل بالطوارئ، رغم أنه انتهى العمل به وفقا لمستشاريه القانونيين الذين استعان بهم، وأيضا إصراره على إصدار قوانين أساسية سيئة السمعة مثل قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر ومباشرة الحقوق السياسية ومهزلة المحاكمات العسكرية للمدنيين.. وكأن السادة فى المجلس العسكرى أو قل بعضهم قد أعجبه الحال ويريدون أن يظلوا فى السلطة مع محاولاتهم تبريد الثورة، بل وتجفيفها بنفس سياسات النظام السابق وبالتباطؤ والتلكؤ والعمل على عدم تحقيق أهداف الثورة التى تعهدوا بها عند تسلمهم السلطة الانتقالية.. وسيطروا تماما على الحكومة الانتقالية فأصبحت ضعيفة لا حول لها ولا قوة، حتى إن رئيس الحكومة لا يستطيع أن يتخذ قرارا دون الرجوع إلى العسكرى، حتى ولو كان قراره فتح درج مكتبه!!
ومع استمرار ذلك الحال أصبح المرشحون لرئاسة فى موقف هزلى.. فهم يروجون لأنفسهم كرئاسيين محتملين دون أن يعرفوا أى شىء عن متى ستكون انتخابات الرئاسة؟ وما اختصاصات الرئيس؟ وهل سيكون فى ظل نظام برلمانى أو رئاسى.. فهناك حالة ضبابية فرضها المجلس العسكرى.
من أجل ذلك أستحسن موقف الدكتور سليم العوا الذى أعلن تعليق حملته الرئاسية لأنه انزعج من القرار الصادر بإجراء الانتخابات البرلمانية فى مدة تجاوز ستة أشهر، فى حين كان المتوقع شعبيا أن تنتهى الانتخابات البرلمانية لمجلسى الشعب والشورى فى موعد لا يجاوز نهاية العام الحالى وأن يتم تسليم السلطة إلى إدارة منتخبة فى نهاية فبراير 2012.
ومن هنا يضع الدكتور سليم العوا ومن قبله الدكتور محمد البرادعى مرشحى الرئاسة الآخرين فى موقف حرج، فعليهم أن يحذو حذوهما واتخاذ نفس الموقف والعودة إلى الشارع الثورى وفضح السياسات التى يسير عليها الذين يديرون شؤون البلاد.. وأيضا فضح الأحزاب والقوى السياسية التى كانت شريكة للنظام السابق وضد الثورة وتحاول الانقضاض عليها من أجل مكاسب سريعة ورخيصة على حساب الشعب والثورة.
يا أيها الرئاسيون المحتملون.. أين أنتم؟ هل وصلتكم الرسالة؟!
أضف تعليق