كتاب سبر

محاربة نخبة الجدارة

 في الآونة الأخيرة تم استهداف نخبة الجدارة- النخبة من المتخصصين الذين لا يملكون مالا ولا منصبا- وبعض أصحاب الفكر والقلم وبعض المغردين وبعض أعضاء مجلس الأمة لا لشيء؛ إلا لأنهم من الناقدين لأغلب أوضاع المرحلة، وقد يكون الدافع لهولاء الناقدين في المقام الأول استذكارهم لقول الله تعالى:- (وَلتكُن مِنكُم أُمّة يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَنِ المنكَرِ وأُولئك هُمُ المفلحِونَ)، وثانياً: خوفهم على مستقبل هذا البلد الطيب الذي يرتبط مصيرهم, هم وأبناؤهم بمصيره.
 
فبدلاً من محاربة أسباب الفساد, وبدلا من أن يقتدى بمقولة ما خاب من استخار ولا ندم من استشار, وبدلا من الاستنارة بملاحظاتهم واستشارتهم في سبل المعالجة لها تم اقتياد البعض، وتمت محاولة تشويه صورهم من قبل بعض الصحف الصفراء والقنوات المتلونة والكتاب المأجورين لمجرد وجهة نظر طرحوها أو انتقاد وجهوه لأي طرف أو لأية جهة ما متنفذه.
 نحن لا نقف ضد تطبيق القانون ولانشجع على عدم تنفيذه، ولكننا نرفض الأساليب المتعسفة والترهيبية في أغلب الأحيان دون التدرج في الأخذ بالأطر القانونية والدستورية التي لابد وأن يتم سلكها قبل اتخاذ أي إجراء ضدهم، فما هو الضرر من طرح الرأي والانتقاد من قبل المفكر والكاتب والمغرد، طالما أنه لا يتجاوز حدود الأدب واللباقة واللياقة الأخلاقية والإعلامية.
في ظل ماتقدم، بات البعض يخشى من تراجع سقف الحرية عندنا، كما تراجعت التنمية والاقتصاد وغيرها من المشاريع الاستراتيجية.
        
المتابع للحرية الشخصية والإعلامية يرى أنها تحررت من قيود كثيرة في المنطقة والعالم مع دخولنا القرن الحادي والعشرين، إلا أنها اتجهت في الاتجاه المعاكس عندنا للأسف فقد كنا في المقدمة والريادة لركب الديمقراطية والحرية في المنطقة وأصبحنا في وسط عربة القطار، وإن استمر الحال كما هو عليه فإننا ربما نتربع على المقاعد الخلفية دون وعي وإدراك ودراية من قبل المتسبب لمحطتنا القادمة المجهولة.
هناك من سيقول إنك تناقض نفسك عندما ترى بأننا نعيش مرحلة تكميم الأفواه وتقليص الحريات الإعلامية والشخصية على الرغم من أننا نعيش فترة تم بها إنشاء الكثير من الصحف والمجلات والقنوات لمختلف التوجهات. صحيح أن عدد الصحف والقنوات والكتاب عندنا في ازدياد إلا أن الرقابة غير المبررة في كثير من الأحيان أيضا في تنامي وفي الخط الموازي من الازدياد وهذا ما يهمش التعددية والحرية الإعلامية المطلوبة ويقلص من جودتها وفعاليتها.  
ويبدو أن الأسباب التي تؤدي إلى هذا المنحى غالبا ماتكون نابعة من ضعف في الأداء وضيق في الأفق والمدارك وبالتالي لا يتسع صدر المتضرر, ولا يستطيع المواجهه لوجود الخلل فعلا ,فيحاول ان يحجم منتقديه؛ لعل وعسى أن يقضي عليهم, وربما أيضا لإرهاب من يفكر أن يسلك مسلكهم, أو قد تكون محاولة لإدارة الأزمة بأزمة أخرى؛ لتغير مسارها، ولفت الأنظار من حولها, أو الجهل بما فعل؛ لأنه أصلا لا يعلم مايفعل ولا يدرك عواقب ما فعل؛ وذلك إما لتفرده بالقرار أو لغياب المستشارين وأصحاب الرأي من ذوي الخبرة والاختصاص.
وهذه بعض من الأسباب الكثيرة والمتعددة التي نراها, والتي نتمنى أن لا تتعداها إلى أسباب وأهداف أخرى أكثر خطورة، وذات بعد خارجي يمس المصالح الحيوية والقومية للكويت.
     
 وأخيرا، فإن ما يجري على الساحة الكويتية ماهو إلا إرهاصات لمستقبل أفضل إن شاء الله سيتم التوصل إليه بسواعد هؤلاء الشباب من نخبة الجدارة وغيرهم؛ لأنهم هم من يستشرقون المستقبل ويخشون من القادم المجهول فأصواتهم لم تعلو إلا بعد انحدار الأوضاع على كافة المستويات، وكذلك في ظل مايرونه من تخبطات وإدارة سيئة من قبل حكومة، لم تفعل شيئاً منذ استلامها زمام الأمور.
فهؤلاء الشباب لن يقفوا على الهامش عندما تتعرض مصالحهم وقيمهم الخاصة والمجتمعية، بل سنجدهم في صميم إدارة الحدث وهم من يرجح الكفة, وقد يتذكرون ما قاله دانتي اليغيري شاعر فلورنسا صاحب كتاب الكوميديا الإلهية: إن قاع جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد عندما تتعرض القيم للخطر.
  
فنرجو أن يُسمع صوتهم وتؤخذ مطالبهم ونصائحهم على محمل الجد، فإن لم تحل وهي في المهد قد تنتقل الأمور تجاه اللحد, وينتج عنها قلاقل سياسية واجتماعية يتم استغلالها من قبل ضعفاء النفوس في الداخل, وقد تدار من الخارج؛ لتأزيم الأمور مستغلين مساحة الحرية المتبقية لدينا, واستنادا لما يدور في محيطنا الإقليمي من ثورات وهذا السيناريو قد لا يكون مخططا له، وإنما قد تدفع له المعالجات السيئة لما يدور في الساحة المحلية. كما نتمنى من العلي القدير أن يحفظ الكويت وأن ينير بصيرة كل من المواطنين والمسؤولين في هذا البلد لما هو في الصالح العام. 
د.عبدالعزيز محمد العجمي
Twitter: @Dr_Abdulaziz71