كتاب سبر

الفلول قادمون

يبدو أن مقولة تشي جيفارا الشهيرة “الثورات يصنعها الشرفاء، ويسرقها ويرثها الأوغاد”، أصبحت تنطبق على الثورة المصرية، فالثوار الذين خرجوا إلى الشوارع منذ يوم 25 يناير، وظلوا 18 يوماً تسيل دماؤهم؛ لتغسل وتطهر وطنهم، تواروا تماما الآن، واحتل الصورة، الفلول وأذناب النظام السابق، الذين يريدون أن يستعيدوا سلطتهم وسلطانهم عن طريق السيطرة على البرلمان القادم.
بعد ثمانية أشهر من الثورة أصبحنا نتساءل، هل هذه ثورة، أم نصف ثورة، أم ربع ثورة، نجح الفلول في إدخالنا في دوامة صراعات الفتنة الطائفية، شحنوا المسلمين ضد الأقباط، والأقباط ضد المسلمين، استغلوا الفضائيات التي يسيطرون عليها في تأليب الوطن، بينما هم استعدوا للهجوم من جديد على كراسي السلطة التي تلوح في البرلمان.
لكن من المسؤول عن كل هذا، من الذي ترك الفرصة للفلول ليفعلوا ذلك، من فتح لهم الباب، من ترك الحبل على الغارب لهم، ورفض محاكمتهم بقانون الغدر والعزل السياسي، لا يمكن أن نبرئ المجلس العسكري، لا يمكن أن ننكر أن الأداء المرتبك والمتباطئ للمجلس العسكرى الذى يدير شؤون البلاد وتابعه حكومة «شرف» الضعيفة شجّع الفلول على الظهور على الساحة والعودة إلى صدارة المشهد السياسى واللعب فيه بجميع الأساليب، بما فيها القذارة والبلطجة، فقد أدت سياسة المجلس العسكرى، وتابعه حكومة شرف إلى تبديد الثورة.. ووصل الأمر إلى تشويهها باستمرار الانفلات الأمنى والفوضى «المصطنَعة» وتعاظم دور البلطجة.. حتى وصل الأمر بالعسكرى إلى أحداث ماسبيرو وقتل 24 مواطنا، وإصابة مئات من الأقباط بعد خروجهم من مظاهرة سلمية من شبرا إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون.. وقبلها أحداث السفارة الإسرائيلية؛ لتشويه جمعة تصحيح المسار فى 9 سبتمبر الماضى.
ساعد فى ذلك القوانين سيئة السمعة سواء مباشرة الحقوق السياسية أو قانون الانتخابات وإعادة إنتاج سياسات الرئيس المخلوع من استخدام ترزية القوانين والالتفاف حول مطالب الثورة من تطهير المؤسسات العامة بما فيها الجامعات والعزل السياسى لمن أفسدوا الحياة السياسية خلال حقبة الرئيس المخلوع.
لقد أنجزت ثورة 25 يناير إنجازا عظيما بخلع مبارك والتخلص من نائبه عمر سليمان وحكومة أحمد شفيق ومحاكمة المخلوع وابنيه ووزير الداخلية حبيب العادلى وعصابته وهدم مشروع التوريث ووضع مصر على خط البداية؛لاستعادة دورها الإقليمي والدولي بما يتناسب مع موقعها وتاريخها وبشرها بعد استعادة كرامة المواطن وتحقيق العدالة.. وبدء خطى الديمقراطية السليمة؛ لبناء مجتمع مصر الجديدة.
لكن السياسات التى اتبعها المجلس العسكرى فى إدارة شؤون البلاد وإصراره على الانفراد بتلك الإدارة فى المرحلة المؤقتة، وهو على غير دراية بإدارة الحياة المدنية.. أعادنا إلى نقطة الصفر، كأنه بتلك السياسات يمثل الثورة المضادة.
لقد كان إنجازا عظيما حل الحزب الوطنى الذى أفسد الحياة السياسية خلال الثلاثين عاما بشخصيات كانت تخدم مبارك وعائلته فقط مثل صفوت الشريف وفتحى سرور ومفيد شهاب وأحمد عز وزكريا عزمى وعلىّ الدين هلال ومحمد كمال وآخرين كثُر.. وكان هؤلاء يديرون مؤسسة فاسدة هى الحزب الوطنى؛ لخدمة مصالحهم الشخصية.. وجرى استخدام مؤسسات الدولة فى ذلك وعلى رأسها وسائل الإعلام المملوكة للشعب، فحولوها إلى تابعة للحزب ومروجة له ولهم مقابل إطلاق أيدى المسؤولين عنها فى الفساد وتحويلها إلى عزب خاصة.
ومع هذا من يتم محاسبته من هؤلاء يحاسَب على جرائمه الشخصية وفساده المالى فقط.. فصفوت الشريف وفتحى سرور يتم محاسبتهما الآن على جريمتهما فى موقعة الجمل، وآخرون مثل أحمد عز يحاسَبون على فسادهم المالى.. أما الذين أفسدوا الحياة السياسية فهم مطلقو السراح ولم يحاسبهم أحد، وهو ما شجع الآخرين الذين شكلوا الأغلبية المصطنَعة للحزب الوطنى الفاسد، على العودة إلى المشهد السياسى.. وقد فاجؤوا الجميع بتقدمهم إلى الترشح فى انتخابات مجلسَى الشعب والشورى وبأعداد كبيرة.. مدعين أنهم لم يكن لهم علاقة بفساد قيادات الحزب الوطنى.. متناسين أنهم كانوا الأغلبية «المصطنَعة» التى كانت «تبصم» على كل القرارات والقوانين الفاسدة التى كانت تصدر عن نظام مبارك، إنهم بأفعالهم تلك يقودون ثورة جديدة مضادة لثورة 25 يناير.. إنها ثورة الفلول.
وللأسف الشديد، وقع كثير من الأحزاب الجديدة التى حصلت على تراخيص بعد الثورة فى فخ الفلول وضموا إلى قوائمهم ومرشحيهم كثيرا من فلول الوطنى وأبنائهم.
وقد تحرك بقايا جهاز أمن الدولة؛ للدفع بعدد كبير من هؤلاء الفلول؛ لاختراق تلك الأحزاب، ودعوكم من الأحزاب القديمة؛ لأنها كلها فلول.. فقد كانت معارضة موالسة منافقة للنظام، وليس أدل على ذلك من موقف السيد البدوى رئيس حزب الوفد الذى كان ضد الحريات، ولا تنسوا موقفه من جريدة «الدستور» التى كانت معارضة لمبارك وابنه وفسادهما؛ ليشتريها الرجل ويمنحها هدية للنظام، وكما تعلمون كان الرجل على علاقة قوية برموز النظام وبرئيس جهاز مباحث أمن الدولة «المنحل»، وكان يحصل على تسهيلات فى «بيزنسه» الخاص.. وحدّثْ ولا حرج عن رفعت السعيد فى التجمع.. أو الحزب الناصرى أو أحزاب الأنابيب صنيعة أمن الدولة.
لكن الآن وبعد أن تجرأ نواب الوطنى السابقون الذين جاؤوا إلى برلمان مبارك بالتزوير على الترشح فى أول برلمان بعد الثورة والدفع بأبنائهم أحيانا بديلا عنهم فإن هذا ينبئ بإعادة إنتاج البرلمان السابق وظهور نواب الكيف والتأشيرات وسميحة وغيرهم (بعض هؤلاء شارك فى أحداث البلطجة الأخيرة باستخدام البلطجية والأموال).
الفلول قادمون.. فعلا… فانتبهوا
حافظوا على ثورتكم.. وقفوا في وجه الفلول، وإلا ستصبح انتكاسة كبرى للثورة، وردة إلى أسوأ من أيام مبارك.