كتاب سبر

أم عبدالله..


خصص الكاتب علي المسعودي مقاله هذه المرة للحديث عن أحاسيسه تجاه أمه، وهي ليست أماً عادية ولاتعنيه وحده كما يقول، بل تعنينا نحن أيضاً، هي امرأة لها بصمة في التاريخ وسيظل ذكرها خالداً.
المقال يستحق القراءة والتعليق لكم:


أم عبدالله..
 
علي المسعودي
  
 
.. و”أم عبدالله” هي أمي الغالية العالية..
 وأنا  أقبّل التراب الذي وطأته تلك القدمان.. الطاهرتان.
انتقلت الى رحمة الله منذ سنين طويلة.. لكنها بقيت حيّة، وحييّة، وبهيّة، ونقيّة.. في كل قلب نقي.
أحبّ التعطـّـر بزكي سيرتها والتطهر بنفحات علمها، واستذكار جميل أحاديثها، والتحبب إلى ربي بإفشاء خلقها  وكرمها ونورها إلى الناس.. وفي تتبع خطواتها والسير على نهجها القويم.
فقيهة ..  بها يكتمل الدين..
مشرقة الوجه تكسوه حمرة ربانية..
جميلة المحيا.. باهرة الطلة، ظريفة الخلق، صادقة الحديث، ناصعة الثوب، لها من الدعابة والطرافة والبديهة الحاضرة ما يأخذ بالألباب
أحبها، وأجلها، وأغار عليها، وأفديها بروحي ودمي ومالي وعرضي
تزوجت في حداثة سنّها.. فرشدت وأرشدت.
لها عقل راجح، شهد برجاحته جميع من حولها، حتى أصبحوا يستشيرونها في شؤونهم الصغيرة والكبيرة..
تعلمت منها كيف أعرف أسرار الحياة، وكيف أسير فيها، وقليل من علمها الغزير علـّمني الكثير.
 عرفت من سلوكها قول الحق..
ومن سيرتها تعلمت أن الصدق  يغيظ بعض القلوب.. وأن أهل الزيغ يكرهون أهل الحق، وأن أهل الهوى يحاولون  دوما تلطيخ أهل المروءة.. أو تشويه وجوههم .. (وأنّى للوضاءة أن تتشوّه؟!).
يشتمها البعض ولا يدري أنه بجهله يشتم نفسه لأنه كمن يرفع طرفه فيبصق على السماء، فترتد بصقته على وجهه.. لتظل السماء هي السماء ناصعة الوجه براقة المحيا. (وأسأل الله لمن يفعل ذلك الهداية)
أم عبدالله مثل السماء.. كريمة صافية وصادقة.. إن أثقلها غيم الرحمات أهدته إلى الأراضي البور.. فتحييها وتسقي أهلها.
أم عبدالله من نساء نادرات شهد لهن  التاريخ .. فأصبحن من رموزه.
أم عبدالله ليست الجنة تحت قدميها فحسب،  فمحبتها هي الجنة وعلمها هو الجنة،  والدفاع عنها هو الجنة.
ولا أدري ما الذي يدفع أهل الزيغ كي يؤذون أحبتها في محبتها.. وأي عبادة يتعبدها من يجعل من عبادته وسيلة طعن ولعن وتجن؟ (أدعو الله أن ينير بصائرهم ليروا الحق حقا فيتبعوه)
قالت عندما سمعت بمكرهم: أقول كما قال أبو يوسف ( فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون).. أوكلت أمرها إلى الله.. (وكانت تظن أنها أقل شأنا من أن ينزل فيها قرآن يتلى)  فنزل جبريل ينقل بشارة السماء إلى الأرض .. يحمل النور في سورة النور.. (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)، والذي تولى كبره هو رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول.. وقد  قضى وراح،  لكن له تلاميذ  ساروا على نهج نفاقه:  حملوا غيظه وبغضه ووسيلته في طعن الأعراض (عسى الله أن يعيدهم إلى جادة الصواب)
وسبحان الذي وسع بعلمه أن هذه النفوس الدنيئة ستتواصل في غيها، لذلك جعل براءتها قرآنا يتلى إلى يوم الدين في سورة النور.. (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) وتلك العصبة استغفرت واهتدت ونالت جزاءها.. لكن مابال هذه العصبة اليوم لاتؤمن بأن الله قال (وأزواجه أمهاتهم).. هن أمهاتنا، وهو عليه السلام أولى بنا من أنفسنا.. فكيف يتجرأ أولئك الذي يطعنون في عرض أكرم الخلق كي يطعنوا في رسالته. (اللهم اشرح صدورهم لدينك الحق)
أم عبدالله، ابنة الحسب والنسب،.. عائشة بنت أبي بكر،  الصديقة بنت الصديق.. العفيفة، كريمة الخلق زكية العلم، أحب نساء رسول الله إلى رسول الله. كان يخاطبها: (ياصديقه يا بنت الصديق) يحب غيرتها، يحب حديثها،
 فارق الحياة وهو بين سحرها ونحرها.. ودفن في حجرتها.. حجرة الشرف والعزة والعفة.
.. الحجرة التي هي الآن جزء من المسجد النبوي الشريف.. والشرف لا يسكن فيه إلا الشرف
ونحن نتعبد بتلاوة براءتها.. وهناك من يتعبد بطعن شرفها. .. (ألا قاتل الله من نال من شرفها).
 
كان رسول الله في يوم يصلي بنعله ولم يعلم أن فيه قذَراً فنزل جبريل يخبره، فنزع رسول الله
 النعل..
 
سبحان الله الذي  لم يرض لرسوله نجاسة في نعل.. فهل يرض له نجاسة في أهل؟.
حاشا لله وحاشا رسوله العيب والنقصان.
ومن فضائل  العرب أنها لا تطعن في أكارم أهلها..
 بل من عادة العرب أن تستر معايب عوام الناس فكيف برؤوسهم..؟
 فما بال أقوام أخذوا يرمون المؤمنات الغافلات؟ (اللهم اقذف من يفعل ذلك بعذاب من عندك)
سأل عمرو بن العاص رسول الله:) أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة قال : فمن : الرجال ؟ قال : أبوها(
هي عائشة زوجة الصادق المصدوق وابنة الصديق.. وهي حببية الحبيب.
لن تبلغوا ضرها.. لأن (الله يدافع عن الذين آمنوا)  فارحموا أنفسكم من هذا الغي.. واسألوا الله الهداية.