أقلامهم

نادين البدير تدافع عن الوليد وتتحدث عن مفهومه للشرف

نادين البدير 
الشرف بمفهوم الوليد بن طلال
لست محامية. لكني أعرف هذا الرجل
ليس لأنه صاحب سمو ملكي ولا لأنه أمير ينتمي لواحدة من أكبر العوائل الحاكمة. ولا لكونه ثرياً اسمه لا ينفصل عن كل قائمة لأثرياء العالم.. كما وليس السبب أنني أنتمي بفخر للامبراطورية الضخمة التي يترأسها إنما لكونه مواطنا صالحا.
لا أخصص مقالاتي لمدح الأشخاص. من عادتي أن أنتقد وأحنق لرفع الظلم ونشر الحريات. لكني أمتدح الصالحين من المواطنين وأزمجر إن مسهم أحد بظلم أو حاول انتقاص شأنهم. وما حدث في اسبانيا كان ظلماً. كيف يتهم (المواطن الصالح) باغتصاب فتاة؟ ألن تتحول القصة لقضية رأي عام؟ ألن تشحذ الأصوات المحلية تأييدا له؟
ليس لأن شهرته غلبت شهرة أعظم المشاهير، بل لأن الشرف عنده له مفهوم مختلف
حين يكون المواطن صالحا وشريفاً. فمن يدافع عنه غير الوطن؟
مفهوم الوليد للشرف يختلف عن كل المفاهيم المبتذلة.. الشرف في المفهوم العصري الدارج الذي اجتهد كثيرون لغرسه في عقولنا شرف سطحي، يكفيك أن تغطي رأسك إن كنت امرأة وأن تلوح للناس بسجادتك إن كنت رجلا وسيشهد لك الجميع بأنك شريف. بل أنبل الشرفاء.
الشرف بعين الوليد بن طلال يعني أن تكون نقيا من الداخل. أن تحب وأن تخدم الآخرين. أن تكون مسؤولا عن بلدك. جريء وشجاع، تدافع عن نفسك وعن الحق مهما تطلب الأمر.
هذا سؤال كان بودي أن أطرحه عليه قبل سنوات. ما الذي يدفع رجل يملك من المادة كل شيء، وبإمكانه أن يمضي حياته هناك في أجمل بقعة أو مدينة أو بأحد أفخم الفنادق العالمية التي يمتلكها، ما الذي يدفعه للمكوث هنا بين الرمال، في الصحراء وفي منطقة لم تصل للمعايير المتقدمة التي يعرفها ويعيشها في تعاملاته مع العالم؟
ليس له منصب سياسي لكنه لا يهدأ. رجل لا ينام. لا تحاصره أعماله الحرة فقط. بل يحاصره الوطن. يفكر بالجميع، بكل التيارات، بقضية المرأة، بالفقر والعوز والحريات ونشر الحقوق،، الإسلام المعتدل هو نهجه. ومهما تعالى وارتفع النقد فيبقى الإسلام المتحرر باعتدال هو نهجه.
هو من ذاك النوع الذي لم تعد تراه، تذكرون أيام كان مجتمعنا يحيا بالفطرة إلى جانب دينه؟ لم تكن النوايا السيئة غلابة وقتها. زمن كانت المرأة لا تعني الوقود والجحيم. زمن لم نكن نمارس به الحكم على بعضنا بكل جهل واستهتار. هل تذكرون تلك الأيام أم أنها شطبت من ذاكرتكم مثلما شطبت أشياء كثيرة أخرى؟
الحسناوات اللواتي يحومون ويحلمون به لا عدد لهن حول العالم.. لكنه متزوج من امرأة ترافقه أينما ذهب، بل وصار لها دور مشارك ضمن مشاركاته العالمية. تزوره فتجد الأميرة أميرة الطويل بجانبه.. تقف مرحبة بك والابتسامة لا تفارقها.
مجلسه مختلط ومحافظ جداً، ودائما عائلته حاضرة، ليس به أي معالم لسهر أو مجون مما تجده في مجالس معظم الأثرياء. ترفع الصلاة فيتجه الجميع للصلاة.. لا تدخين، لا مشروبات روحية، لا فتيات للتسلية.. لا شيء مما يمكنك أن تراه في معظم سهرات أثرياء العالم بل وحتى سهرات العاديين من الناس. البروتوكول صارم ودقيق، يمكنكم قراءة شيء من صرامة وقته ونظامه في يومياته المنشورة والتي تثبت وجوده بمدينة كان وقت الحادثة المزعومة وتثبت زيف الاتهام الموجه ضده. اللغة الكسولة الدارجة محليا لا يعرفها،، لا تستغرب أن يكون موعدك معه الساعة الثانية وسبع وخمسين دقيقة ونصف، ولولا أن الأمر غير شائع لكانت اللحظات أيضاً جزءاً من الموعد
إليكم قصة أخرى… هل منكم من مر بهذه الحالة؟
إنك في يوم ما كنت تملك الحلم، لكنه حلم جديد على محيطك. تسرد حلمك فيسخر منه الآخرون، جميعهم يسخرون لدرجة أن تشك بنفسك وتقول « إما أني مجنون أو أنهم قاصرون. بالتأكيد سأصل لمرحلة أعترف بها بجنوني وأعود لصوابي ورشدي» تملك أفكارا مستحيلة، ونظرة تريد أن تقلب الموازين وتعيد ترتيب الأمور في بلد لم يعد بوسعه الاستمرار دون إعادة صياغة المفاهيم والقوانين وكل شيء.. أنا مررت بتلك المرحلة، في البدايات، لكن محيطي كان أكبر قليلا، مقالات في الصحف، نقاد يستغربون جرأة نشري لكلمات أفكر بها، متشددون يعترضون على زج اسمي بشكل غير مباح في الشأن العام. المقربون توقفوا عن التعليق لكنهم وقفوا صامتين.
إن كان الأمير لا يزال يذكر ذاك اللقاء القديم. وقتها قال لي: استمري كم عدد الأشخاص وبالأحرى كم عدد النساء العربيات (في منطقة تحرم الأحلام على نسائها) اللواتي يملكن حلما مستحيلاً أو حتى حلماً عادياً ويظهر لهن شخص فجأة ليقول للواحدة: استمري؟ أعترف أني كنت محظوظة.
عرفته وعائلته الودودة قبل أن أنضم لمجموعة روتانا بسنوات. أن تعرف الشخص من بعيد ليس كأن تعمل معه. الوليد بن طلال يشعرك يومياً (دون أن يقولها لك شفاهة) بأنك مسؤول معه عن هذا البلد، لمجرد أنك مواطن. هذا الرجل علمني دروساً لم يقلها لي لكنها حياته التي يمارسها. كيف أحب الصحراء. وكيف يمكن للمرء الجمع بين الأشياء. وكيف أكون سعيدة دون تطرف. وكيف يكون وطنك أجمل الأوطان إن فكرت بخدمته وعلمت كيفية التعايش معه. بعيدا عن منزله في الرياض كيلومترات طويلة.. هناك في الصحراء تنصب الخيام وتشرب القهوة العربية وتشعر أنك عدت مئات السنين للوراء لكن أجواء العصر وتقنياته لا تغيب عن المساحة الرملية لتعيدك من جديد لعالمك الحديث. هكذا تجتمع قيم حضارية مدنية مع صحراء الجزيرة فيتحول المكان لأجمل الأوطان.
هل من عادتنا تدمير مبدعينا؟ أو اتهامهم؟ أو السكوت عن ظلمهم؟
كم عدد المبدعين في الأرض العربية؟ كم عدد الأثرياء الخليجيين وكم عدد المبدعين منهم؟
ليس شرطاً أن تكون غنيا أو أميرا أو مشهورا لتكون وطنياً أو شريفاً. لكن الشرف والوطنية يشترطان عليك عنصرا أقسى من الثراء هو عنصر الإبداع، دونه تكون مجحفاً بحق وطنك. وأول الإبداع ألا تتوقف عن الحلم.
أحيانا أتخيله يستيقظ من النوم فزعاً من حلم جميل جديد، ولا ينهي يومه إلا وقد بدأ بتحقيقه. وحسبما أعرف فأحلامه كلها متعلقة بتحسين البلد والنهوض بنسائه وتقدمهن. هذا هو الطريف في السعودية اليوم.. رجال يتولون حركة تحرير المرأة. عكس كل الحركات النسوية العربية والعالمية. فالناشطة السعودية خجولة في مطالباتها لا تتجرأ على الحلم بالوصول للقمة بأكملها، تريد قيادة السيارة وتريد العمل لكنها لن تجرؤ على التدخل في السياسة مثلما يفعل الرجل.
أحيانا أخرى أتخيله لا ينام… فعدد الساعات التي يعمل بها مهولة، والأنباء التي يتابعها مهولة، بإمكانك الاعتماد على رسائله اليومية للحصول على أهم أخبار البلد وبالتفصيل.
هذا هو الرجل الذي أعرفه… فكرت قبل أن أبعث هذا المقال ألا يدخل لي بقصة ولا بقضية أمير يدعمه كل من حوله ولديه أهم وأشهر المحامين للدفاع عنه. لكني تذكرت وقفته معي وتشجيعه لي قبل أن أبدأ حياتي المهنية. تذكرت مساندته لنا نحن نساء السعودية. وتذكرت أنه آمن بكل طموح نسوي وسانده بشكل جريء وغير مسبوق قبل أن يبدأ عهد الإصلاح في السعودية، وقبل أن يكون التلفظ بكلمة (امرأة) مباح حتى بوسائل الإعلام، تذكرت أيضاً شيماء جستنية المرأة التي حكم عليها أخيراً بسبب قيادتها للسيارة وساهم الأمير الوليد بشكل مباشر بإنقاذها من الجلد. هو اعتبرها حربا شخصية. واعتبر الحكم محاولة للتشويش على القرار الملكي بمنح المرأة بعض حقوقها السياسية، ولم يهدأ حتى تم العفو عنها. وأنا اعتبرت قضيته قضية شخصية، لذا شرعت أكتب وأكتب عن أكثر الرجال تقديراً للمرأة، أكثرهم تفهما لها واحتراما لوجودها.