كتاب سبر

حجٌّ… أم ذبحٌ… إسلامي؟!

 ياراحلين إلى منىً بقيادي   هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
 حاول عزيزي القارئ أن تقتطع جزءاً من وقتك وتتجه صوب مقارّ حملات الحج الكويتية؛ لتسأل عن أسعار الحج مع تلك الحملات لموسم الحج هذا العام، ولتطّلع على بعض خفايا الأمور هناك مما لم يكن يخطر لك ببال، ولا تنسَ أن تأخذ معك حبتين “بنادول” فالصداع سيلازمك مع أول مقرّ، كما لا تنسَ أن تأخذ معك صديقاً لك يقوم بدور “التفريق” بينك وبين من ستتشاجر معهم حتماً من أصحاب تلك الحملات أو موظفيها.
رائحة الغش والفساد تنبعث وبقوة من بعض تلك الحملات، وفي كل عام ترتفع الأصوات تلهج بالشكوى، ولكن لا حياة لمن تنادي، بل مباركة وزارة الأوقاف لتلك الممارسات تكاد تكون واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وذلك بالسكوت غير المبرّر عن ممارسات تلك الحملات التي لا يقرّها شرع ولا عرف.
بعض أصحاب تلك الحملات – مع الأسف الشديد –  أرادوا أن يشوهوا سمعة اللحى وأصحاب اللحى، فستروا تلك الممارسات بلحىً مصطنعة لا تعبر عن صلاح حال ولا تبشر بحسن مآل، بل وضعت كطُعم لاقتناص السذّج من الناس، وبعبارة بسيطة عامية هي لحىً ” مانبتت على طهارة “.
فأسعار تلك الحملات خيالية لا يصدقها عاقل ولا يقدر عليها إلا من أغناه الله عز وجلّ ووسّع له في رزقه، ولا أجد مبررا لها، لا سيما إذا ما قورنت بأسعار الحملات في الدول الأخرى القريبة، ناهيك عن أنها لا تتناسب مع الخدمات المقدمة غالباً وإن حاول أصحابها تغطيتها بالوعود الكاذبة التي سرعان ما تتلاشى وتصبح نسياً منسياً مع أول قدم لك تطأ أرض المشاعر.
كما أن بعض الحملات أصبحت تتاجر باسم الدين وباسم خدمة الحجاج وباسم مساعدة الناس على تأدية مافرضه الله عليهم من حج بيت الله الحرام، وتزين مقارّها بالآيات الدالة على وجوب الحج وعظم أجره، والأحاديث المرغبة في الحج المبينة لعظيم ثوابه، وهم أبعد ما يكونون عن هذا المقصد النبيل، فالمشهد الأوحد الطاغي هناك والواضح لكل ذي بصيرة هو محاولة التكسب قدر الإمكان من تلك الحملات، وبات ذلك هو هاجسهم الوحيد.
بعض أصحاب تلك الحملات يعمد إلى تأجير حملته في الباطن بمبلغ 40 ألف دينار كويتي تقريباً، ولايهمه حال من قام بتأجير الحملة، وهل هو من أهل الصلاح أم لا؟ وهل سيديرها وفقاً للشرع والقانون أم لا؟  فكل ما يهمه هو أن يقبض منه ذلك المبلغ لفترة شهرين تقريبا هي فترة ما قبل وأثناء وما بعد موسم الحج فقط، وبما أن المستأجر قام بدفع ذلك المبلغ فهو يسعى جاهداً؛ لتعويضه بأي صورة كانت، سواء كانت شرعية أو غير شرعية، فالمهم هو الربح المادي وإن حاولوا إظهار غير ذلك وهذا ما يبرر وجود الفساد المستشري في بعض الحملات؛ حيث إن من يديرها مستأجر وليس من أصحاب الحملة، فلا هو يهمه سمعة الحملة ولا هو يخاف من مخالفة وزارة الأوقاف له.
وبعض الحملات تقوم بمخالفة القانون والتزوير، وذلك عن طريق بيع ورقة تصدر من الحملة لأشخاص لا ينوون الحج مع الحملة نفسها، بل بعضهم لا ينوي الحج مطلقاً، ولكنهم يشترون تلك الورقة من أجل الحصول على إجازات حج من مقار أعمالهم، وكل ذلك بثمن باهظ طبعاً مقارنة بورقة يستطيع أن يبيع منها ما يشاء من عدد، وبعض الحملات يقوم ببيع تصاريح الدخول إلى المشاعر المقدسة إلى بعض الحملات غير المرخصة من أجل أن يتمكنوا من دخول المشاعر دون مضايقة الجهات المسؤولة هناك، وهذا أمر مخالف للقانون أيضا ويعرقل سير العمل هناك، وكل ذلك بثمن باهظ ايضاً.
كما أن بعض الحملات تقوم بالإعلان عن وجود أشخاص يقومون بالحج نيابة عن الكبير والعاجز، وكل ذلك بمبالغ خيالية أيضاً، يكون للحملة النصيب الأكبر من ذلك المبلغ ويعطى للحاج بدلا عن ذلك الشيخ الهرم أو العاجز مبلغا بسيطاً، وبعضهم يأتي بحاجّ بديل “محترف” من الخارج أقلّ في الكلفة المادية، فيضع في الإعلان أن من سيقوم بالحج بدلا عن العاجز بعض طلاب العلم من مكة المكرمة !! 
أما عن البدون وحالهم مع حملات الحج، فحدث ولا حرج ، فإن أصحاب تلك الحملات باتوا يعشقون الرقص على جراح المكلومين من البدون، ويعدّونهم وجبة دسمة لهم، فهذه الفئة وسائل التكسب من خلالها كثيرة، فبدلاً من أن تكون تكلفة حج البدون أقل من غيره مراعاة لحالتهم المادية، فإنك تجد تكلفة حجهم تزيد عن تكلفة حج غيرهم بما لايقل عن 200 دينار أو تزيد، ويتحججون بأن العدد محدد من قبل السفارة السعودية والراغبين في الحج من البدون كثُر لذلك نقوم برفع السعر، كما أن بعض الحملات تقوم باستخراج رقم موحد للبدون بمبالغ مادية كبيرة أيضاَ وذلك عن طريق استخراج جواز حج لهم دون أن يذهبوا إلى الحج بل من أجل استخراج الرقم الموحد فقط ، وبعض الحملات تعمد إلى المتاجرة بفيزا الحج وبيعها على البدون بمبلغ يتجاوز 300 دينار ، وأحيانا تكون تلك الفيزا مزورة ، أو أنها فيزا للزيارة وليست للحج وهو نوع من أنواع الغش والتلاعب أيضاً ، وأنا هنا أوجه كلامي لسفارة المملكة العربية السعودية في الكويت التي تقف عاجزة عن السيطرة على تجّار الفيزا الذين باتوا يسيؤون لسمعة السفارة في الكويت ، وإن كانت السفارة لا تدري فتلك مصيبة ، وإن كانت تدري فالمصيبة أعظم .
أرأيت عزيزي القارئ عظم الفساد المستشري في تلك الحملات ؟!
هل عذرتني عندما قلت لك لا تنسَ أن تأخذ معك حبتين بنادول ؟!
بإمكانك الآن أن تأكل الحبتين وتشرب بعدها كوب ماء ثم تنتقل معي لخاتمة المقال …..
الحج عمل من الأعمال التي رتب الله عز وجل عليها الأجر العظيم ، وبشّر فيه النبي صلى الله عليه وسلم من حجّ بلا رفث ولا فسوق بأنه يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، والحجاج هم ضيوف الرحمن ، يعتقهم سبحانه من النار يوم عرفة ويرضى عنهم ، أفلا يخشى القائمون على تلك الحملات من دعوة تستجاب فيهم من بعض الحجاج الذين يظلمونهم ويستنزفون أموالهم بلا مبرر ويتاجرون بشعيرة من أعظم شعائر الله عز وجل ، ألا يخشى القائمون على تلك الحملات أن يكونوا بعملهم ذلك من المنفرين عن الحج والله تعالى يقول (وأذّن في الناس بالحج) ، ألا يخشى القائمون على تلك الحملات أن يكون لسان الحجّاج العائدين من المشاعر المقدسة ” ياربّ توبة من ذي النوبة ” !! ، لذلك يجب أن تتظافر الجهود من الجميع للقضاء على ذلك الطمع وذلك الجشع ، ويجب أن يكون لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دور فعّال في الحد من طمع وجشع أصحاب تلك الحملات ، وأن يكون لحج بيت الله مكانته العالية ومقصده النبيل دون محاولة تشويهه أو التكسب من خلاله.