آراؤهم

رد وتعليق على حديث السيد حسين مجلي لجريدة القدس العربي

مقالي اليوم قد يكون خارجاً على المألوف الذي أتبعه بعيداً عن المناكفة والخوض في متاهات ما يكتبه الآخرون أو يتحدثون به أو يصرحون احتراماً للرأي والرأي الآخر، ولكن ما قرأته على صفحات جريدة القدس العربي الصادرة يوم الخميس 20 تشرين الأول الحالي من حديث أدلى به الأستاذ حسين مجلي وزير العدل الأردني السابق، جعلني أخرج على المألوف الذي اعدته في كل مقالاتي إلا في حالات نادرة كانت تستوجب التعليق أو الرد، فلدي قضية تشغلني عما سواها وتأخذ كل وقتي وجهدي وتفكيري، وكان لابد من التعليق والرد على حديث الأستاذ مجلي الذي احترمه وأقدره وأرجو أن لا يعتقد للحظة واحدة أنني أريد الإساءة إليه أو لأي أردني يخالفني الرأي أو النهج أو الاعتقاد.
لقد جاء تعليقي وردي على ما جاء في حديث الأستاذ مجلي في صحيفة القدس العربي لأنه صوب كل سهام جعبته على الثورة الشعبية السورية السلمية التي تفجرت عفوياً كمثيلاتها في تونس ومصر وليبيا واليمن، مطالبة بالحرية التي صادرها النظام الذي ورثه الرئيس القومي الممانع والمقاوم بشار الأسد عن أبيه حافظ الأسد دون رأي الشعب السوري ورغبته، الذي مكر برفاقه وانقلب عليهم واستبد بالحكم متفرداً لأكثر من أربعين سنة ، بعد أن سلم الجولان بلا دفاع أو مدافعة، سفح خلالها من الدماء السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية ما لا يمكن حصره أو الإتيان عليه في هذه العُجالة وهذا لم يعد سراً من الأسرار فالقاصي والداني والعربي والأعجمي يعرفونه.
حديث الأستاذ حسين مجلي وزير العدل الأردني السابق لصحيفة القدس العربي جاء على ضوء ما خرج به بعد لقائه بالرئيس الممانع والمقاوم بشار الأسد في هذه الظروف الحرجة، حيث يتعرض الشعب السوري المنتفض سلمياً إلى أعنف حملة قمعية من قبل هذا الحاكم الممانع والمقاوم لأكثر من سبعة أشهر كان نتيجتها أكثر من خمسة آلاف شهيد وضعفهم من الجرحى والمفقودين وأكثر من ستين ألف سجين ومعتقل، وتهجير عشرات الألوف إلى الدول المجاورة ومنها الأردن بلد السيد الوزير السابق.
بداية سآتي على ما خرج به السيد مجلي من لقائه بالرئيس القومي العربي الممانع والمقاوم بشار الأسد – بحسب وصف السيد مجلي – وهذا على ذمة ما نشرته جريدة القدس العربي يوم الخميس 20 تشرين أول الحالي، فقد قام السيد الوزير السابق بزيارة دمشق ولقاء السيد الرئيس القومي العربي الممانع والمقاوم بشار الأسد مع نخبة من الشخصيات الوطنية والسياسية الأردنية قبل عدة أيام، ووصف اللقاء بأنه (لقاء موفق إلى أبعد الحدود انتهى بتكريس القناعات الضميرية بأن سورية المستهدفة هي سورية برئاسة بشار الأسد وبشكل حصري)، وأضاف في حديثه إلى القدس العربي بأن (قناعته الذاتية قبل اللقاء تكرست بعد مقابلة الرئيس بشار الواثق تماماً من نفسه ويعرف بصورة تفصيلية ما الذي يجري وطبيعة المؤامرة التي تستهدف سورية).
وقال مجلي: (الأصل في الدول أن الدولة هي التي تحتكر السلاح ومن غير المعقول أن تطالب أي جهة الرئيس بشار بتسليم سلاحه فهذه دعوة عبثية ومباشرة للانتحار بعدما ثبت بأن هدف المجموعات المسلحة في سورية تصفية النظام وليس الإصلاح أو التغيير). واستمع مجلي للرئيس القومي الممانع يتحدث (عن مراجعة شاملة يستعد لها لإطلاق سورية الجديدة التي ستبقى سورية المقاومة)، وسمع مجلي من بشار أنه (مستعد تماماً لإعادة النظر بالدستور كاملا ولإطلاق إصلاحات ولإعادة بناء المؤسسات السورية بشكل شامل وعلني). وشدد مجلي على أن الرئيس القومي المقاوم (يدعو الجميع للحوار الوطني) وقال: (من يرفض محاورة بشار للأسف سيجلس للتحاور مع السفير الأمريكي والقيادة السورية تعمل على بناء سورية الجديدة ستبقى مشروعا قومياً مقاوماً)، وعبر مجلي عن (ثقتة بأن الرئيس بشار يتحدث عن مراجعة شاملة وكاملة وكبيرة وعن محنة ستتجاوزها سورية)، وقال مجلي (إن الرئيس بشار رجل يدافع عن نفسه وعن نظامه وعن بلده وعن مشروعه ومن الطبيعي أن يستخدم الجيش فالبلد مستهدف وعندما يشارك الجيش تظهر دماء وهي دماء تكون أحيانا ضرورية لإنقاذ الأمة ومشروعها القومي)، وأوضح: (بالنسبة لنا كعروبيين وقوميين نعتبر جمال عبد الناصر قائدا للتحرر العربي لكني أقولها بوضوح: خطيئة الزعيم عبد الناصر التاريخية كانت أنه لم يضح بنفسه وبجيشه لضرب الانفصال عام 1961 وكان ينبغي له أن يفعل وتصوري أن الرئيس بشار يقرأ هذا الدرس جيدا).
وقال مجلي (بأن الوفد الأردني زار دمشق مؤخراً لكي يقول بوضوح بأن الشعب الأردني وقواه الحية يقرأ الواقع والمعركة جيداً فالمستهدف اليوم هو تدمير محور المقاومة واستهداف سورية بشار الأسد فالرجل لو ساوم وقدم تسهيلات لما كان هدفا لغرف العمليات الصهيونية الأمريكية التي دمرت قبلا العراق).
كنت أتمنى على الأستاذ مجلي وهذا من صلب عمله كرجل عدل وقانون قبل أن يحكم ويصدر قرار الاتهام والإدانة أو البراءة أن يلتقي ببعض الشخصيات السورية المعارضة، وكنت أتمنى عليه لو تجشم بعض العناء وزار ومن معه الأماكن والمدن التي حاصرها ولا يزال يحاصرها الجيش المقاوم والممانع الذي قطّع بمدرعاته ودباباته أوصالها، ومنع الماء والغذاء والكهرباء والاتصالات عن أهلها، واطلع بأم عينه على ما فعلت دانات مدفعيتة بمآذن المساجد وقبابها ومحاريبها ومنابرها، وما فعله شبيحة هذا الرئيس الممانع والمقاوم بالمصاحف وما خطوه على جدران هذه المساجد من عبارات كفرية لم يفعلها الصهاينة في مساجد فلسطين، وما حل بالناس الذين دكت منازلهم على رؤوسهم، ويزور أهل الشهيد حمزة الخطيب ذو الثالثة عشر ربيعاً وأطفال درعا الذين قلعت أظافرهم وشوهت وجوههم، ليحدثوه عما فعل بأبنائهم رجال أمن الرئيس الممانع والمقاوم والذين لم يستثنوا حتى أعضاء حمزة الخطيب التناسلية من التشويه، ويزور أهل إبراهيم قاشوش ليسمع منهم كيف انتزعت حنجرته، ويزور أهل زينب الحصني ويستمع منهم عن الجريمة التي ارتكبها رجال أمن الرئيس المقاوم والممانع بتسليمهم جثة مقطعة الأوصال مشوهة بما فيها الرأس على أنها ابنتهم التي اختطفها قبل أيام، ثم ليخرج على العالم عبر أجهزة إعلامه منكراً أن تلك الجثة المسلمة هي لزينب الحصني التي أظهرها على فضائياته ظناً منه أنه سيكسب قضية في مواجهة الإعلام الحر والمهني العربي والعالمي، وفاته في حمأة كذبه وتضليله أن يعطي أي تعريف عن تلك الجثة التي سلمت لأهل زينب الحصني، فوقع في شر أعماله وسوء تدبيره فكانت الفضيحة أقوى وأمر، وكنت أتمنى عليك لو زرت بلدة البيضاء الساحلية وسمعت من أهلها كيف داس شبيحة النظام ورجال أمنه على رؤوسهم وجلدوا ظهورهم وكيف صفعوا وجوههم بنعالهم وهم مقيدو الأيدي والأرجل، وكنت أتمنى عليك لو زرت ومن معك معسكرات المهجرين على الحدود التركية والحدود اللبنانية، والتقيت بساكنيها لسمعت العجب العجاب من الحكايا عما فعله جيش بشار ورجال أمنه وشبيحته بهم، ولو فعلت ذلك سيدي الوزير فباعتقادي أنك كنت لن تتسرع بإعطاء صك البراءة لهذا الرئيس الذي أوغل في قمع السوريين المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة وهي الحد الأدنى التي اعترف لهم بها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني، الذي كان من المفترض أن تكون من حماته والمدافعين عنه بصفتك رجل عدل وقانون.
سيدي الوزير لا أريد الخوض في كل ما جاء بحديثك للقدس العربي لأن جله ترد عليه الوقائع على الأرض، فقط سأكتفي بعبارتين جاءت في حديثك، تقول في الأولى أن (من حق بشار الطبيعي أن يستخدم الجيش فالبلد مستهدف وعندما يشارك الجيش تظهر دماء وهي دماء تكون أحيانا ضرورية لإنقاذ الأمة ومشروعها القومي)، وأنا معك فيما تقول بأن البلد مستهدف من أعداء كثر هم من يحتلون يا سيدي الجولان ويقتلون أهلنا في فلسطين وفي لبنان والعراق ويحوكون المؤامرات علينا، ومن حق جيشنا أن يقاوم المحتل ويذود عن الوطن ويحمي حياضه، ولكنني لست معك عندما تقصد بأولئك الأعداء على أنهم الشعب السوري وجماهيره المنتفضة سلمياً المطالبة بالحرية والكرامة وهذا من حقها، ويسميهم النظام بالجراثيم والمندسين والسلفيين والإرهابين والعصابات المسلحة، وكان من حق هذه الجماهير المنتفضة عليك، كرجل عدل وقانون، أن تقف إلى جانبها وليس إلى جانب من يقمعها ويذبحها وينتهك أعراضها ويستبيح مدنها ومقدساتها وحرمة بيوتها!! 
والثانية تهجمك على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأنت تعقد مقارنة بينه وبين الرئيس الممانع بشار الأسد، عندما رفض الأول سفك دم جندي سوري أو مصري لتبقى الوحدة المشوهة وغير المتوازنة، وبين بشار الذي آثر ذبح الشعب السوري من الوريد إلى الوريد على التخلي عن كرسي الحكم وصولجان السلطة، دون أن يخطر في بالك أن جمال عبد الناصر يعرف أن دم الإنسان هو أغلى عند الله من الكعبة، بينما الرئيس المقاوم والممانع عنده كرسي الحكم أغلى من كل الشعب السوري أحياءه وأمواته وأغلى من كل التراب السوري، وأين أنت.. وأنت رجل عدل وقانون من مقولة (العدل أساس الملك)!! 
سيدي وزير العدل السابق أرحب باختلافك معي بالرأي وأحترمه وأقدره، ولكنني أرفض بقوة منحك صك براءة على بياض، وأنت رجل عدل وقانون، لقاتل شعبه وتبريراً لكل جرائمه وتسويغاً لكل آثامه وفواحشه، بحجة أن هذا الرجل يقود معسكر المقاومة والصمود والممانعة والتصدي، وحتى وإن سلّمت معك بما تصف به هذا الرجل، فإن هذه الصفات لا تبرر له ارتكاب المجازر بحق شعبه ومواطنيه ومصادرة حريتهم والدوس على كرامتهم، وكان الأجدر بكم أن تتركوا لبعض سهام جعبتكم أن تنافح عن الحق والعدل والقانون الذي كنتم تمثلونه!! 
ختاماً أؤكد للسيد الوزير أنني لست الوحيد ممن يخالفك الرأي فيما ذهبت إليه بل هناك غالبية أردنية فاعلة تخالفك ما خالفتك به، اللهم إلا من بعض الأقلام التي التزمت بكيل المديح لنظام دمشق لسنين طويلة، قد تكون دوافعها حب سورية والخوف عليها، وعلى مذهب (ومن الحب ما قتل)، وهي لا تستطيع التخلص من هذا الالتزام؛ لأنها لا تريد الخروج من قوقعتها التي حبست نفسها فيها كل هذه السنين، وآثرت الاستماع إلى نفسها وإدارة الظهر لكل ما يستجد في الساحة العربية من أحداث وثورات أسقطت حتى الآن ثلاثة أنظمة من أنظمة الاستبداد والحبل على الجرار، وتلك سنة الحياة التبديل والتغيير وفرض إرادة الشعوب، وقد قال الشابي رحمه الله:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة = فلابد أن يستجيب القدر
نتمنى على السيد الوزير ومن معه أن يقفوا إلى جانب الشعوب المقهورة والمظلومة والمنكوبة والمكلومة وليس إلى جانب أنظمة الاستبداد والفساد والقهر والقمع، لأن البقاء للشعوب والأنظمة زائلة، والتاريخ لا يرحم فلديه سجل يدون فيه مواقف الرجال من غث وسمين وصح وخطأ وظلم وعدل!!