كتاب سبر

درس القذافي للطغاة العرب

بماذا شعر الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا ينفك يقتل شعبه كل يوم وهو يشاهد عبر الفضائيات الشعب الليبي يسحل رئيسه السابق معمر القذافي، ويقتله، ويخلص بمقتله من سنوات القهر والذل والفقر، بماذا شعر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ويده ما زالت ملطخة بدماء شعبه وهو يرى الرصاصات تخترق جسد القذافي، وصوره مقتولا على صفحات الجرائد الأولى؟، بماذا شعر باقي الطغاة العرب الذين لم تطلهم بعد رياح الثورة، وهم يسومون شعوبهم سوء العذاب، وهم يرون مصير قرينهم القذافي، بماذا شعر الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وهو نائم في سريره، عندما شاهد صديقه القذافي مقتولا مسحولا، هل شعر بأن الشعب المصري كان رحيما به، هل شعر بأن الشعب الذي هدده بالفوضى وأطلق عليه زبانية الداخلية، وقتل منه 800 فرد يطالبون بالحرية، كان رءوفا فاكتفى بالمطالبة بسجنه.
تقول بعض التقارير الصحفية أن مبارك انهار باكيا، بعد رؤيته مصير القذافي، فهل وعى في هذه اللحظة درس الطغيان والظلم والفقر، هل وعى باقي الطغاة العرب ذلك، هل سيكف بشار عن قتل شعبه، هل سيرحل علي عبد الله صالح بالفعل كما وعد أكثر من مرة، الإجابة على كل ما سبق هي كلمة واحدة.. “أشك”.
أشك لأن الطغاة لا يتعظون عادة، لأن الطغاة لا يرون إلا أنفسهم، وذواتهم، وجنونهم، لأن الطغاة لا يتعلمون الدرس، ولأن دم الشعوب العربية الطاهر الذي سال وأغرق الشوارع والميادين التي تطالب بالحرية، لا بد له من قصاص.
لم يكن حسنى مبارك الوحيد من الطغاة الذى أهان نفسه وأذلها بعد إهانة الشعب المصرى كله فى حكمه الاستبدادى وفساده عبر 30 عاما، لقد جعل من نفسه «فرجة» للعالم كله.. بعد أن آثر أن يبقى فى مصر – بعد أن أجبرته الإرادة الشعبية فى ثورة 25 يناير العظيمة على الرحيل من منصبه الذى اغتصبه لمدة 30 عاما- مدعيا أنه لم يفعل السوء بوطنه وشعبه.
وها هو القذافى، الطاغية الأكبر، الذى جعل من ليبيا دولة متخلفة، رغم غناها المالى والبشرى والجغرافى، واعتبر نفسه ملك الملوك وعميد الحكام ومحرر العالم.. ليتحرر منه الليبيون قبل العالم.. ويتفرج العالم على مصيره الأسوأ، وهو يجرى اعتقاله بعد هروبه من قصوره وخيماته المرفهة والمنيعة.. بل يقتل ويضرب ويتم التمثيل بجثته، ويجرى سحله، وإن جرى ذلك فى عمل همجى بربرى، نختلف معه، فلم نكن لثورة شعبية خرجت ضد الطغيان والاستبداد، ومن أجل الكرامة والحرية، أن تفعل ذلك. 
لكن لعلها عبرة الزمن ودرس التاريخ، لقد فعل القذافى عبر تاريخه فى حكم البلاد ما لم يفعله أى ديكتاتور فى العالم.، قتل وعذَّب وسحل وخطف سياسيين معارضين، وأذابهم فى «الحمض»، ولم ينج منه زملاؤه فى ثورة ليبيا عام 1969، ليظل الوحيد القابض على السلطة والمتحكم فى ثروات البلاد، ويعمل على ثوريتها لأبنائه الذين لقوا نفس مصيره.
أفسد واشترى ذمما من أجل الدعاية له، واشترى حكاما ودولا بأموال الشعب الليبى، لينصب نفسه ملك الملوك، أضاع على ليبيا حقها فى أن تكون فى مقدمة الأمم، فعل كل شىء لإذلال الليبيين وإهانتهم.. وكان يراهم جرذانا لا يستحقون الحياة.. إلى أن هرب مع عائلته كالجرذان.. ليكون هذا مصيره، ويكون الانتقام منه وأسرته وكبار مواليه الذين ظلوا ملاصقين له حتى آخر لحظة بهذا الشكل البربرى، وهو أمر لم يكن يجب أن يكون من سلوك الثوار، الذين خرجوا من أجل الحرية والكرامة.
لقد نجا من هذا المصير من البداية الطاغية التونسى زين العابدين بن على، الذى آثر الهروب قبل القبض عليه، ليجد ملاذا آمنا فى السعودية.. ولم يتعلم منه بعد ذلك حسنى مبارك، ليكون مصيره إهانته فى محاكمته، بغض النظر عما ستؤول إليه تلك المحاكمة.. وها هو مصير القذافى، ولكن بعد ذلك.. ألا يتعظ جزار سوريا الذى ما زال يقتل شعبه على مدار سبعة أشهر، الذين ما زالوا يناضلون سلميا من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، ويسقط كل يوم الشهداء على أرض سوريا بدبابات ومدرعات وآلات الجيش السورى الذى يستخدمه بشار الأسد ضد شعبه، ألا يرى هو وطاغية اليمن على عبد الله صالح مصير المستبدين، الذين لا يحترمون إرادة شعوبهم.
إنه درس التاريخ، لمن يقرأ ويستفيد، ويتعلم.
الشعوب لا بد أن تنتصر في النهاية، مهما طال الزمن، ومهما ارتفعت جبال الاستبداد
فالحرية قادمة.. قادمة لكل الشعوب العربية.