كتاب سبر

ملك الملوك في الأنبوب

لو أن القارئ الكريم أغلق عينيه لبرهة من الزمن و أطلق لخياله العنان، فأخذ يفكر أن ملكاً للملوك قد توفى، فما الذي سيتداعى إلى مخيلته؟ وكيف سيتخيل موت رجل يحمل لقباً كبيراً كهذا، لقب يعطينا الإحساس بأن صاحبه ليس من البشر العاديين، فهو ليس ملكا،ً بل هو ملك على الملوك، بمعنى أنه من المفترض أن يحكم من يحكمون الناس، أو أن في شخصه تجتمع شمائل الملوك و خصالهم التي يندر أن تجتمع في ملك واحد..!
أظن أن خيال القارئ الكريم سينتهي به إلى أمرين: أولهما صورة لملك الملوك، و هو على الفراش جثة ساكنة، ومن حوله مجموعة من الملوك (بما انه ملكهم) وكبار رجالات الدولة وأفراد عائلته، وهم يحبسون ألم الخسارة، ويسعون جاهدين إلى أن يكون تصرفهم لائقاً بمقام فقيدهم، وخارج أسوار القصر نجد الأحزان والدموع والسواد قد غلب عامة الشعب و انطلقت العواطف دون حسيب أو رقيب. وثانيهما صورة لملك الملوك وقد سقط عن صهوة حصانه في معركة عظيمة، واجه بها خصومه بشرف وبساله تليق أيضا بمقامه، ولم يترجل عن حصانه إلا بعد أن نازل الخصوم منازلة فيها من الشجاعة و الأخلاق و المروءة ما تجعله جديراً بلقب ملك الملوك..!
هذان هما النهايتان اللتان بإمكاننا أن نتخيهلما لحاكم لقبه < ملك الملوك >، ولكن تلك لم تكن نهاية القذافي والذي هو الآن في قلب قبر يطوي جثته، فسلوكه و سياسته تجاه شعبه وبعض شعوب الدنيا كانت أدنى من ممارسات الرعاع والقتله، باللسان و اليد. فهو الذي جرد شعبه و هم بشر من إنسانيتهم شبههم بأنجس القوارض و توعدهم بالاصطياد من بيت إلى بيت ومن زقاق إلى زقاق، لم يتحلَ في معركته بأخلاق ملك صغير، فحصد الأجساد المكشوفة بالطلقات الكبيرة للمدافع الرشاشة المصنوعة لإسقاط الطائرات في الجو. فأي عقل و إنسانية يحتملان عمل كهذا؟
ذلك السلوك وتلك الطريقة التي واجه بها ثوار ليبيا في لحظاته الأخيرة تضعنا أمام أسئلة كبيرة لا يمكن للشعوب العربية أن تربح حرب الديموقراطية والحرية والكرامة إلا بعد الإجابة عليها، كيف يظهر حاكم كالقذافي يحكم بلداً عربياً لمدة أربعين عاماً، وكيف صمت العرب والعالم عنه طوال هذه السنوات الطويلة ولم يكتشفوا حقيقته؟ وكم قذافي لا يزال يحكم دولة ًعربية حتى الآن؟ في نظري لو أننا وجدنا إجابة على هذه الأسئلة فإننا في المستقبل لن نكون مجبرين على رؤية الحكام العرب ينتزعون من حفرة أو أنبوب..!!