كتاب سبر

المال الحرام

في الوقت الذي كانت مصر تبيت فيه في ميدان التحرير للمطالبة برحيل مبارك ونظامه، كانت ترتفع اللافتات التي تقول “يا مبارك يا طيار، رجع ال 70 مليار”، وذلك بعد أن نشرت صحف أجنبية أن مبارك قام بتهريب 70 مليار دولار إلى الخارج.
انطلقت الدعوة لاستعادة أموال مصر المهربة إلى الخارج، في بداية شهر فبراير الماضي، أي قبل انتصار الثورة وسقوط النظام، ومن يومها لا زالت الدعوة مستمرة، تشكلت لجان قانونية، وخرج وزراء في تصريحات وهمية عن تتبع أموال مصر المنهوبة في الخارج، ومرت تسعة أشهر ولم نستعد حتى دولار واحد.
لا الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج أعيدت، ولا حتى الأموال المنهوبة في الداخل  أعيدت، ولا زال رجال الأعمال ينعمون بها، ويفسدون في الأرض أكثر، 9 أشهر على الثورة ولم تسترد الدولة أيًّا من الأموال التى نهبها مبارك وعصابته وأفراد نظامه الذين استولوا على أموال الشعب.
لم نسمع سوى تصريحات وهمية، لكن على أرض الواقع لم تتحرك أجهزة الدولة لاستعادة الأموال، رغم الكلام الكثير الذى أُثير بعد الثورة مباشرة من مخاطبة دول كثيرة حول أموال أفراد النظام، اللهم إلا جهاز الكسب غير المشروع الذى حصل قبل أيام على حكم قانونى بمنع مبارك وأسرته من التصرف فى أموالهم.
لقد بات واضحا أن مبارك وعصابته كانوا ينهبون أموال الدولة ويحصلون على عمولات على كل مشروع يقام فى البلد، كان مبارك يحصل على عمولات من السلاح وعمولات من البترول، وعمولات من أى مشروع يقام على أرض مصر، كان الرجل يتقبل هدايا من مؤسسات الدولة، واسألوا إبراهيم نافع ماذا كان يدفع لمبارك وعائلته وكبار موظفيه لكى يستمر فى موقعه على رأس مؤسسة «الأهرام» بالمخالفة للقوانين لكى ينعم بها ويجعلها عزبة خاصة يتصرف فيها كيفما يشاء حتى شكل إمبراطورية متداخلة فى أمور كثيرة وعصية على المحاسبة.. فحتى الآن لم يتم التحقيق فى بلاغات كثيرة لدى النائب العام فى دوره فى نهب المال العام، لقد اعترف زكريا عزمى فى تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع بأن جزءا من ثروته من الهدايا التى كان يتلقاها ومن بينها هدايا المؤسسات الصحفية.
كما أن التحقيقات التى جرت مع رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم» الأسبق عهدى فضلى، كشفت عن الهدايا التى كان يرسلها من ميزانية المؤسسة الصحفية إلى المسؤولين الكبار للحفاظ على وضعه الوظيفى، وكان هؤلاء المسؤولون الكبار كبارا نهابين يرتضون الهدايا ويثمنونها.. «شخصيات دنيئة حتى فى الهدايا!».
مرت الشهور، ولم تسترد الدولة مليما واحدا من الأموال التى نُهبت ولا مترا من الأراضى التى تم توزيعها بالفساد على رجال أعمال مبارك وأسرته وكبار أفراد عصابته التى بيعت لهم بتراب الفلوس على حساب حق الأجيال القادمة.
لقد خرجت إحصائيات عن دوائر غربية فى فترة الثورة عن حجم ثروة مبارك وأسرته ونقلتها وسائل إعلامية مهمة مثل صحيفة «الجارديان» التى ذكرت أن ثروته تتراوح بين 40 و70 مليار دولار.. وهو الأمر الذى كرره بعد ذلك شخص مسؤول فى حجم نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، وإن كان تراجع فى تصريحه بعد ذلك لمواءمات سياسية.. لكنها الحقيقة.
وهناك صناديق سوداء تعلم كل التفاصيل فى صفقات مبارك وأسرته ورجال أعماله، والعطايا والمنح التى كان يمنحها لأصدقائه، وبالطبع كانت بمقابل وليست مجانية، وكله من على «قفا» الشعب.
وقد بدأ البعض يتحدث عن أن هناك مشروعات كان مغلقا إنتاجها على عصابة الرئيس مثل مناجم الذهب وفوسفات أبو طرطور، ناهيك عن المشروعات العملاقة ، أو التى كانوا يطلقون عليها عملاقة، والتى كانوا يحصلون على العمولات والرشاوى ممن أوكلت إليهم عمليات التنفيذ والبناء والشراء والتشييد وغيرها.
لقد صنعوا رجال أعمال فى فترة وجيزة، وأثروا ثراءا سريعا، وحصلوا على مصانع وأراضى الدولة بتراب الفلوس.. فهل كان ذلك دون مقابل؟ هناك معلومات كثيرة تؤكد حجم الفساد وحجم المال الحرام، لكن للأسف الشديد هناك تواطؤ كبير من جميع الهيئات الرقابية التى كان يشكلها مبارك نفسه وعائلته وكبار موظفيه.
وحتى الآن لم يتحدث رئيس البنك المركزى عن عمليات تهريب الأموال وحركتها، وعن دور مبارك وعائلته فيها، وهو يعلم الكثير ولدى البنك جميع التحركات لأى جنيه مصرى فى الداخل أو الخارج، كما يستطيع أن يحصل على معلومات كثيرة من مؤسسات مالية وبنوك فى الخارج تتعلق بحسابات جميع المسؤولين والأموال التى نهبوها، فلا أحد سأله ولا هو تبرع بالكلام وبالمعلومات التى تفيد كثيرا فى استعادة الأموال المهربة.
وبالطبع الأجهزة الرقابية كافة صامتة عن ذلك، فلا الرقابة الإدارية ولا الجهاز المركزى للمحاسبات ولا حتى جهاز النيابة العامة عملت بشكل جدى على ذلك الملف وما زالت حتى الآن تسير على الطريقة السابقة التى كان يديرها بها أعوان مبارك.
أضف إلى ذلك موقف الحكومة الضعيف التى يبدو أنه لا يعنيها استعادة أموال الدولة حتى إنها حتى الآن لم تستطع إعادة 3 شركات إلى الحظيرة الحكومية بعد أن صدر حكم قضائى بإعادتها، وفوق كل ذلك الموقف الغامض والمرتبك فى نفس الوقت من المجلس العسكرى الذى يدير شؤون البلاد، والذى يبدو أنه يريد أن يُبقِى كل شىء على ما هو عليه.
كيف نتحدث عن أن مصر تعاني أزمة مالية، ومقبلة على إفلاس، وأموالها منهوبة في الخارج والداخل، وفي يدنا أن نعيدها، وأن نبني الدولة مرة اخرى بأموالنا؟
لماذا لا نعيد الأموال؟ الإجابة متروكة للحكومة وللمجلس العسكري.