كتاب سبر

الإضراب.. “من حيث المبدأ”

لايكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن إضراب موظفي إحدى وزارات الدولة عن العمل من أجل إقرار كادر لهم أو طلباً لزيادة رواتبهم أو حتى من أجل أمور أخرى كالاعتراض على نظام البصمة مثلاً، وبتنا نرى المواطنين يتناقلون فيما بينهم أخبار تلك الإضرابات ويحثون بعضهم البعض على إنجاز شؤون حياتهم من معاملات وسفر وغيرها قبل مواعيد تلك الإضرابات .
قبل فترة أرسل لي صديق رسالة مفادها إذا كان لك معاملة في المكان الفلاني فأسرع بإنجازها فسيبدأ إضراب موظفي ذلك المكان ابتداء من يوم الأحد القادم!!، وأعرف صديقا لي كان مدعواً على عشاء في المملكة العربية السعودية، فاضطر إلى السفر ظهراً بسبب الإضرابات !! ، والأمثلة كثيرة وهي أكثر من أن تحصر .
 لست هنا بصدد مناقشة موضوع الإضرابات من جهة شرعية ولا حتى قانونية فأنا من الذين يعطون الخباز خبزه حتى لو أكل نصفه ، ولست بأهل للخوض في ذلك ، ولكنني أريد أن أوجه كلامي لبعض المضربين لمعرفة مدى إيمانهم بالإضراب “من حيث المبدأ” مع تحفظي على العبارة الأخيرة التي صارت مثاراً للسخرية في الآونة الأخيرة وحُقّ لها أن تصير!!
لا أحد يقلل من قوة الإضرابات والاعتصامات ومدى جدواها في الضغط على أصحاب القرار من أجل إقرار قانون أو إلغاء قانون ، ولكن ياترى هل هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لذلك ؟! أم أن هناك ما يغني عنها ابتداءً على الأقل؟! وهل هي من الوسائل المطروحة على طاولة الحلول دائماً أم أنها كالميتة يلجأ إليها عند الضرورة فقط ؟! كل تلك الأسئلة تحتاج لأجوبة دقيقة منك أنت بالذات عزيزي المضرِب ، فدعني أرى مدى إيمانك حقيقة بالإضراب “من حيث المبدأ” أولاً ومن ثمّ لك كامل الحق في المضي قدماً في إضرابك .
عزيزي المضرب، هل كل المهن قابلة لأن يدخل عليها الإضراب كوسيلة للحل ؟! أم أن هناك مهن هي أسمى من أن يتخللها الإضراب والمساومة ؟!، وماذا لو أضرب الأطباء عن علاج المرضى هل ستقبل ؟! ولو أضرب الخطباء عن إلقاء خطبة الجمعة هل سنلغي الجمع ؟! ولو أضرب رجال الشرطة عن عملهم هل سنكتب على المخافر “مغلق للصلاة” مثلاً ؟! وهل أنت مع كل إضراب يقوم به موظفون يرون أنهم على حق وأن لهم مطالب يجب أن تتحقق ؟! أم أنك تقصر ذلك الحق في المطالبة على أناس دون أناس وتجعل ذلك الحق كالخيمة تدخل فيه من تشاء وتخرج منه من تشاء ؟! وهل ستقف جنباً إلى جنب مع الوافدين إذا قاموا بعمل إضراب لنيل بعض الحقوق التي حرموا منها ؟! أم أنك ستتعامل مع ذلك الإضراب بعبارة “قلعتهم نجيب غيرهم” ؟! وهل ستتعاطف مع خادمتك ميري وأخواتها إذا أضربن عن العمل بسبب تأخر رواتبهن لأشهر عدّة تحت عدة ذرائع أسخفها “أخشه لك عشان ما تصرفينه” ؟! أم أنك ستتعامل بفوقية وتنسى أن كلنا أبناء تسعة وكأنك لم تسمع قطّ بحديث “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه” ؟! ، وهل ستعذر عمال النظافة من الجالية البنغالية الذين يحرمون من أبسط حقوق العمالة حين يضربون عن العمل ؟! أم أنك ستصدمهم بعبارة “زين يسوون فيكم” ؟! ، وهل ستحترم كل إضراب حتى لو أدى لتعطيل مصالحك وتأجيل سفرك وتأخير علاج أطفالك ؟! أم أنك سترفع يديك إلى السّماء وتقول : “الله لا يوفقكم” ؟! وهل ستضمن عدم تكرار تلك الإضرابات بعد سنة أو سنتين ؟! أم أن ماكان وسيلة للضغط اليوم لا بأس بأن يصبح وسيلة للضغط غداً ؟! .
بناء على أجوبتك على تلك الأسئلة عزيزي المضرب ، ستعرف مدى إيمانك بحق الإضراب “من حيث المبدأ” ، وحين تجدك مؤمناً بذلك حق الإيمان فاعلم بأنني سأشد على يديك وسأقف احتراماً لك وأدعو لك بدوام التوفيق وبسرعة تحقيق مطالبك .
أعلم تماماً بأن ضعف الحكومة والفساد الإداري والمالي المستشري في البلد والذي أزكمت رائحة عفنه الأنوف، هو ما يجعل البعض لا يثق بالوعود الحكومية في تنفيذ مطالب المضربين، وأنا أعذرهم في ذلك، ولكنني أقول لهم اصبروا أيها الأخوة فمطالبكم حقّة ولا ريب، ولكن حذارِ أن تكونوا عوناً “للشيطان” على بلدكم.