آراؤهم

أميركا والفلسطينيون و«مجاهدون خلق»

*سنا برق زاهدي 
الشهر الماضي، كنا جميعا أمام تطور كبير، وتجربة غنية، في قضية فلسطين، من خلالهما يمكن قراءة وفهم كثير من الحقائق المكتومة.
في بداية الأمر، كان هناك تصور بأن بعد خروج الرئيس الراحل ياسر عرفات من الساحة لن يستطيع أحد أن يملأ فراغه، والقضية الفلسطينية ستدخل، بسبب هذا الفقدان الكبير، متاهات من الصعب التكهن بنتائجها؛ لأن أبا عمار كان راعي الرعيل الأول في فلسطين وأصبح رمزا وقائدا تاريخيا يمثل كيان فلسطين وتاريخها وشعبها ونضالها. كان التصور العام أن قضية فلسطين متجسدة في وجود أبو عمار، وبرحيله لن يبقى أمل لضماد هذا الجرح الكبير.
لكننا نرى الآن أن الرئيس أبو زمان استطاع أن يملأ هذا الفراغ بحنكته وصبره ومثابرته وتسامحه ورحابة صدره واقتناص الفرص لصالح شعبه. فالرجل يستحق الإشادة والاحترام والتقدير من جميع محبي السلام والديمقراطية في العالم. ولما وقف العالم في الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة يصفق له، شعرنا بأن القضية الفلسطينية عادت كسابق عهدها عندما حضر الراحل عرفات اجتماع الجمعية العامة عام 1974، لكن هذه المرة تجسدت القضية في وجود محمود عباس، يبدو أن طائر الفينيق نهض من رماده.
الحقيقة الثانية، هي قراءة الموقف الأميركي، لمسنا أكثر من السابق أنه موقف براغماتي، أو بالأحرى وصولي، بامتياز لا علاقة له بأي مبدأ من المبادئ. لأن الرئيس أوباما هو الذي تعهد ووعد في حملته الانتخابية بتأسيس دولة فلسطين المستقلة، كما أكد على ذلك بعيد الانتخاب في خطابه المشهور بالقاهرة. أكثر من ذلك، أنه شدد على هذا الموقف في خطابه العام الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتحدث بصراحة عن ضرورة تأسيس دولة فلسطينية مستقلة بقوله: «عندما نأتي إلى هنا العام المقبل، فيمكننا أن نكون مع اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى عضو جديد في الأمم المتحدة؛ وهي دولة مستقلة وذات سيادة في فلسطين، تعيش في سلام مع إسرائيل».
لا شك أن الرئيس الأميركي لن يفي بوعده وبعهده في هذا المجال إذا بقي على الموقف الذي أعلنه في خطابه هذا العام الرافض لإعلان الدولة الفلسطينية. مع النظر إلى أن الظروف متاحة جدا في الوقت الحالي لتطبيق هذا الوعد، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: بماذا تفكر أميركا في هذا المجال؟ والجواب هو أنه لا حافز لها سوى الانتخابات الرئاسية المقبلة. وحيث إن المجموعات الضاغطة الموالية لإسرائيل قوية وذات نفوذ ومال في أميركا وبإمكانها تأثير حاسم في نتيجة الانتخابات، فالرئيس أوباما غير موقفه على حساب الفلسطينيين والعرب ولصالح ما يريده من نتائج الانتخابات.
لكننا إذا أردنا أن نقيم هذه السياسة بمزيد من التروي، نجد أنها سياسة أحادية الوجه، وفي نهاية المطاف، ستكون لصالح القوى والأنظمة المتطرفة في المنطقة وعلى حساب القوى الديمقراطية وعلى حساب أميركا وإسرائيل أيضا. لأن تأسيس الدولة الفلسطينية يعد ضربة قاصمة لنفوذ التطرف الديني والإرهاب الناتج عنه في المنطقة، وخطوة كبيرة في عزل نظام الإرهاب الحاكم في إيران باسم الدين وتدخلاته في دول المنطقة.
وليس من الصدف أن نرى في هذا المجال موقفا متطابقا تدعو إليه إيران الملالي وحماس وأميركا وإسرائيل معا. وهذا الموقف شأنه شأن تسمية «مجاهدين خلق» منظمة إرهابية، حيث إن نظام الملالي لم يعد يجد شريكا له سوى الحكومة الأميركية، وهذا الواقع المر ما يدحضه ويستنكره عشرات من كبار الشخصيات الأميركية والمسؤولين السابقين في الإدارات السابقة الذين يؤيدون شطب «مجاهدين خلق» من القائمة الأميركية للإرهاب.
وهنا تجدر الإشادة بموقف الأمير تركي الفيصل المعبر عنه مقاله المنشور في صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 11 سبتمبر (أيلول) الماضي؛ إذ صرح في بداية المقال: «يجب على الولايات المتحدة أن تؤيد خلال هذا الشهر مطلب فلسطين لتصبح دولة عضوا في الأمم المتحدة، وإلا فإن أميركا ستفقد ما بقي لها من المصداقية في العالم العربي. وإذا لم تقم أميركا بهذه العملية، فإن نفوذها يتعرض لمزيد من الأفول، كما أن أمن إسرائيل سيعتريه مزيد من الضعف، وستقوى إيران، وتزيد من إمكانية حدوث حرب أخرى في المنطقة».
وفي الفقرات الأخيرة من المقال جاء: «إن السقوط القريب لنظام بشار الأسد الوحشي، سيسهل فرصة استراتيجية نادرة لإضعاف إيران. لأن طهران دون وجود مؤتلفها الحيوي ستواجه ظروفا أصعب في محاولاتها لبث الخلافات في العالم العربي. وفي الوقت الحالي، توفرت فرصة لأميركا والسعودية لتحجيم إيران ومنعها من زعزعة استقرار المنطقة. لكن إذا أحدثت قرارات إدارة أوباما في الأمم المتحدة شرخا بين أميركا والسعودية، فإن هذه الفرصة ستضيع».
وهذا الموقف يتطابق تماما مع الموقف الذي أعلنته رئيسة جمهورية المقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي في إشادتها بمبادرة الرئيس محمود عباس، حيث صرحت في هذا المجال: «في خضم الانتفاضات التحررية التي تعم سائر دول المنطقة، فلا شك أن الطرف الخاسر من هذا التطور هو النظام الإيراني والتيارات التابعة له في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان والدول الأخرى في المنطقة. ولهذا السبب، وعلى الرغم من شعاراته الزائفة لصالح فلسطين، فإن النظام الإيراني يخلق عراقيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، أمام حكومة فلسطين وخططها وبرامجها. كما أنه دفع الجماعات الفلسطينية التابعة له لمعارضة خطة الرئيس محمود عباس بمختلف الوسائل والأشكال».
لا حاجة إلى القول بأن المقاومة الإيرانية ومنذ قديم الزمان كانت تؤكد على هذا الواقع الخطير وتهديد الملالي لمنطقة الشرق الأوسط.
عانت منطقتنا، والشعب الإيراني بشكل خاص، بشدة من السياسات الأميركية الخاطئة طوال العقدين الماضيين.. السياسات التي جاءت على الصعيد العملي لتقوي ظاهرة التطرف الديني الصادرة من إيران الملالي ولتقوية نظام وحشي مثل النظام السوري والجماعات المتطرفة، كما أن هذه السياسة أضعفت بشدة الدول والتيارات المعتدلة التي تمثل الخط الوسط في منطقتنا. كما أن إلصاق تهمة الإرهاب بمنظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية، بصفتها العمود الفقري في المعارضة الإيرانية، وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها حيال حماية أعضاء المنظمة في العراق، وتعريضهم للقتل على أيدي أتباع النظام الإيراني في العراق، قدمت أكبر مساعدة لنظام الملالي ليواصل حياته وتدخلاته بهدف فرض هيمنته على المنطقة.
* رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.