أقلامهم

بدرية البشر تذكر الأسباب وراء اختفاء الدعوة إلى تعدد الزوجات

طاحوا في المسيار


بدرية البشر


في منتصف التسعينيات قابلت شابة تبكي حظها وعندما سألتها عن السبب قالت لي إن زوجها الشاب التقي التحق بالعمل مع إحدى مؤسسات العمل الخيري مع جماعة دينية، واكتشف أن جزءاً من عملهم الخيري تزويج النساء اللاتي يرغبن في الزواج، وأن لديهم قائمة طويلة من النساء الراغبات في الزواج، نصحته الجماعة وشجعته على أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ويعدد. تقول الشابة كنا سعداء وللتو رزقنا بطفلة، لاحظت أن زوجي يعيش صراعاً لم أعرف سببه، لكنه تزوج بأخرى، أصيبت علاقتنا بشرخ وفقدت الثقة به وبالحياة. تقول وبعد سنوات طلق زوجته الثانية وقال إنه شعر أنه ورط بما ليس له طاقة به.
اليوم عدد الفتيات غير المتزوجات في السعودية بلغ مليوناً ونصف المليون امرأة، ونسبة الطلاق بلغت حالة من بين كل ثلاث حالات زواج، ورغم هذا فإن نغمة الدعوة إلى تعدد الزوجات اختفت. لم نعد نسمع دعوات التعدد (طبعاً تعدد الزوجات وليس التعدد الفكري والسياسي، ولا أدري لماذا نجحت هذه الدعوات بينما فشلت الأخرى)، لم نعد نسمع حديث “إني مكاثر بكم الأمم”، وأن الشرع حلّل أربعاً، وبعد أن كانت نكتة الخليجيين هي “ماودك تعرس” صرنا نسمع بديلاً عنها “الله يخلي أم العيال” حتى أن رجلاً اتصل بشيخ في برنامج على الهواء مباشرة يخطبه لابنته فقال له: “لا تسمعك أم العيال تزعل علينا”، وأن مذيعاً اتصلت به فتاة تخطبه على الهواء فقال لها “الله يخلي أم العيال”. لم يعد أحد يحب التعدد ولم يعد أحد يروج دعوة فضيلة تعدد الزوجات، فكان لابد من الذهاب لتقصي الخبر. وكانت النتيجة هي أن “الجماعة طاحوا في المسيار”، حتى الشيوخ أصبحوا يفضلون المسيار فهو زواج خفيف ظريف متخفف من المسؤوليات، ورغم أن ظاهره هو التخلي عن النفقة والسكن إلا أن باطنه هو الكتمان، ففي بحثي وجدت أن زوجة المسيار لا تتخلى عن النفقة وأن نساء المسيار لا يسعدهن ألا يكون الزوج كريماً فائض العطاء ولا يبقين معه إن حرمن من المال. حل زواج المسيار محل تعدد الزوجات ودافع عنه الشيوخ وجمهور المسيار من الطرفين كل طرف وجد فيه ضالته، فبعض زوجات المسيار اللاتي كن يسرن سابقاً بدون ورقة شرعية وجدن في الورقة الشرعية حماية ورعاية ومهنة جديدة، والمسيرون وجدوا في المسيار فسحة من الوقت ولا يكلفهم نكد المنزل ومسؤولية العيال وزعل أم العيال. وفي بحثي وجدت زوجة مسيار هاربة من قسوة زوجة أبيها إلى زواج مسيار، الزوج فيه يعمل مدرساً اتخذ لها شقة قريبة من مدرسته ويسير عليها في الفراغ بين الحصص لكنه يبقى في الليل عند زوجته.
الطريف أنني عثرت منذ يومين على مقال كتبه داعية إسلامي كان من فرسان تعدد الزوجات ومن المشجعين عليه في الأيام الخوالي، هذا المقال بعنوان “زوجة واحدة تكفي”، يدعو إلى فضيلة الوفاء للزوجة التي وقفت معك وأحبتك في شبابها وأخلصت، وأن زوجة واحدة تكفي، لكن سؤالاً سريعاً تبادر إلى ذهني هو: “كم زوجة مسيار تكفي؟”.