كتاب سبر

عذراً أمّ كلثوم ..!!

لا أظن أنه قد خطر ببال السيدة أم كلثوم وهي تصدح ليلة كل عيد، فطراً كان أو أضحى ” ياليلة العيد آنستينا ” بأن مع مرور الوقت لن يكون لليلة العيد كل ذلك الأنس والبهجة الذي ذكرتها أم كلثوم ، تغيرت الأمور وتبدلت الأحوال فلا العيد أصبح عيداً إلا باسمه ولا الفرح أصبح قريناً بالأعياد والمناسبات، بل على العكس تماماً أصبحنا لا نشعر بقرب قدوم العيد إلا من خلال الزحام الذي نراه في الأسواق ومن خلال تهافت الناس على شراء مستلزمات العيد، وأصبح العيد لا يتجاوز الساعات الأولى من صباح يوم العيد وبعدها كأن “عيداً” لم يكن!!
صدحت أم كلثوم قائلة ” ياليلة العيد آنستينا ” لكنها لم يخطر ببالها أن ملايين السوريين هذا العام لا تؤنسهم ليلة العيد فهم يخشون أن يكونوا أضحية العيد التي يقدمها الجيش السوري قربانا لزعيمه “النعجة”، ولم يخطر ببالها أن ملايين العراقيين لا زالوا يخشون التفجيرات المتعاقبة التي حصدت الأرواح ولا يعرف مصدرها، فالكل يرمي التهمة في حضن الآخر، ولم يخطر ببالها ملايين الفلسطينيين في غزة والذين باتوا يرددون الشهادتين مع كل أزيز للطائرات يسمعونه ، فلعل أن يكون آخر كلامهم ” لا إله إلا الله ” ، ولم يخطر ببالها ملايين الصوماليين الذين عشق الجوع أجسادهم المنهكة وبات يحصدهم جماعات لا فرادى ، ولم يخطر ببالها ملايين اليمنيين الذين أمطرت عليهم السماء رصاصاً دون أن يصلوا لذلك استسقاءً !!
في بلدي أيضاً لم تصبح ليلة العيد مؤنسة كما كانت في السابق وأصبحنا نسمع ولا نرى بالمثل القائل ” ليالي العيد تبين من عصاريها ” ، ولم يعد يطرب أهل بلدي عوض دوخي وهو يردد “العيد هلّ هلاله”، ففي كل عام نختلف في متى يهل هلال العيد ياعوض وأنت الوحيد الذي لا يعنيك ذاك الاختلاف !! ، لم يعلم عوض دوخي وهو يقول ” العيد هلّ هلاله ” بأن الغلاء الفاحش في الأسعار سينسي الناس فرحة العيد وسيذكرهم بفرحة التجار الجشعين فقط، ولم يعلم بأن الشرفاء من أبناء البلد أحزنهم الفساد المستشري في البلد وأتعب حناجرهم النكير ، وأفرغت محابرهم الكتابة ، فلم يعد يفرحهم العيد بل عيدهم هو انتهاء حقبة الفساد ، ولم يعلم عوض دوخي بأن هناك أسيرين كويتيين يقبعان في غوانتنامو لا تأبه لهما الحكومة لا يشعران بفرحة هلال العيد ، وأن هناك محتجزا في إيران نسته أو تناسته الحكومة، لا يعلم هل هلّ هلال العيد أم لم يهلّ ؟! ، وأن هناك شباباً من أبناء البلد سيقضون العيد في توجس خشية الملاحقات الأمنية لهم بسبب إبداء الرأي الذي كفله لهم دستورهم ، وأن هناك أكثر من مائة ألف من البدون يعيشون بين ظهراني إخوانهم لا تعني لهم فرحة العيد شيئاً سوى الإنهاك المادي لمن لديه راتب ، أو الحرقة في القلب والغصة في الحلق لمن لا يمتلك راتباً ويعول أطفالاً ، أما فرح العيد فهم لا يعرفونه إلا من خلال أغنية عوض دوخي تلك.
اسمحي لي يا أم كلثوم فليلة العيد لا تؤنسنا ، واسمح لي يا عوض دوخي فهلال العيد لم يعد يفرحنا ، واسمحوا لي أيها المضطهدون في عالمنا العربي أجمع فليس لكم الحق في الفرح يوم العيد ، وكل ما يحق لكم هو أن تجتمعوا في صعيد واحد في ساعات الفجر الأولى ليوم العيد لتقولوا بصوت واحد :
عيدٌ بأي حال عدت ياعيدُ

بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ‏