كتاب سبر

قندرته على رأس الشعب!

في حوار بيني وبين صديق عراقي عن الوضع أيام الحقبة  الصدامية، يقول لي: طرق الباب ذات مرة مندوب المفوضية الانتخابية لسؤالي عن عدد أفراد أسرتي وأسمائهم؛ لوضعها في بطاقة الانتخاب المُعدة مسبقاً؛ لاختيار صدام رئيساً للجمهورية، وهو الخيار الوحيد المطروح طبعاً للحصول على نجاح بنسبة 99,9% من الشعب وهي سُنة واجبة عند الحكام العرب، ويبقى 1% المفقود مطارد أمنياً، علماً بأن الشعب هو ذلك الواحد المفقود المطرود!!  ثم طلب منه الحضور مع أسرته إلى المكان المخصص لوضع بطاقات الاقتراع بأنفسهم لضمان سير العملية الانتخابية بكل شفافية وحرية..!!
 قال صديقنا: حسناً ستحضر أسرتي غداً وأنا سيكون حضوري بعد غد؛ لارتباطي باختبار الجامعة، فرد عليه المندوب: “تجي باجر وقندرة الرئيس على راسك!” فرد عليه صديقي: قندرة الرئيس على راسي وراسك، لكن عندي اختبار، فرد المندوب بقندرة الرئيس على راسك ورأس أبوك، وهكذا بقيا حتى اتفقوا على أن قندرة الرئيس على رأس الشعب بأكمله الأحياء منهم والأموات… انتهى حديثهم.
 أن تسمع مثل هذه القصص في دول دكتاتورية اعتاد المواطن فيها على أن يرى المسؤول الحكومي له صفة القانون والقضاء والقدر ولديه صفه انتحاليه من السلطة في تحقير وابتزاز المواطنين دون أن يحاسب، فهذا أمر بديهي ومقبول؛ بسبب اندماج السلطات في رأس السلطة الديكتاتورية الحاكمة والمتفردة..! أما أن يحدث في دولة تزعم أنها ديمقراطية ويتبجح إعلامها الرسمي يومياً في تكرار السيمفونية المعتادة بأننا السباقون في تطبيقها في المنظومة العربية قاطبة، فهذا لا يمكننا تصنيفه إلا بالدناءة و الديمقراطية المقنعة، فإن كانت  ثقافة القندرة في الديكتاتوريات يتم تداولها في الغرف المغلقة وبعيداً عن الإعلام، فنحن نرددها في قنواتنا التلفزيونية؛ لقهر الخصوم وتكميم الأفواه، لكن بطرق ملتوية وأكثر تستراً وبتصرف شخصي مقيت!!
فعبارة مثل (لا أنت و لا  أكبر رأس أو أطول شارب و..إلخ) يتم تأويلها بطريقة إيحائية؛ لتعطي انطباع لخرق القانون وقس على هذا المنوال.
 وفي الختام نحن شعوب بحاجة لتربية ديمقراطية أكثر من حاجتنا لنظام ديموقراطي؛ كي نتأكد من استئصال ثقافة القندرة.
المهم.. وأنا أتابع حملة التفاعل المرافقة لاعتقال المغرد العليان، حزنت لتذكري صديق كان يختفي بالأسابيع مع كل بلاغ عن سيارة مسروقة أو صندوق تابع للجان الخيرية، دون أن يشعر أحد باختفائه.
(إن كان العالم قرية صغيرة، فإن تويتر جعله غرفة معيشة!).

Twitter : baderFarhaN1

بدر فرحان