كتاب سبر

وطنية الأعداء

لا أحد يحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى رؤساء الدول أصدقاء إسرائيل، كلهم يعرفون أنه كاذب، وأفاق، ومجرم حرب، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نعت نتنياهو بالكذب، خلال حديثه مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 3 نوفمبر الماضي، والذي أجابه أنه مضطر للتعامل معه كل يوم، وقال ساركوزي خلال اللقاء مع أوباما على هامش اجتماعات مجموعة العشرين والذي تم تسريبه فيما بعد لم أعد احتمل رؤيته.. إنه كاذب، فرد أوباما: سئمت منه لكنني مضطر للتعامل معه كل يوم.
لا أحد يحب نتنياهو، لكن كيف ينظر إليه سكان تل أبيب، ألا يعتبرونه وطنيا، ألا يعتبرونه يمارس هذا الكذب والقتل والتضليل لصالحهم، حتى لو كان ذلك ضد الإنسانية، هو بالنسبة له يفعل ذلك من أجل وطنه، وينظر إليه أعضاء حكومته على اعتبار أنه رئيس حكومة وطني.
أوباما أيضا كذاب، لكن مبرره في كل ذلك إنه يفعل ذلك من دافع وطني، ومن دافع أنه يدافع عن هوية الولايات المتحدة الأمريكية، وساركوزي كذاب، لا يختلف عن نتنياهو أو أوباما، لكن الثلاثة لم يكذبوا على شعوبهم، بل يستخدمون الكذب لصالح شعوبهم، فلا يستطيع أحد منهم أن ينهب أو يسرق أو يستغل أو يستولي على المال ويستطيع أن يكذب، فلن يظل في منصبه يوما واحدا بل سيساق إلى السجن في اليوم التالي، إنهم قد يستخدمون الكذب – وهم يستخدمونه – لصالح مشروعهم السياسي الذي أوصلهم إلى مناصبهم عن طريق صندوق الانتخابات لتحقيق مطالب شعوبهم وليس للكذب عليهم أو تضليلهم.
نعرف أن نتنياهو يكذب ويراوغ في المفاوضات مع الفلسطينيين ولكن باتفاق غير مكتوب على من جاءوا به إلى رئاسة الوزراء.. وهو لا يكذب عليهم أبدا. 
لكن عندنا في عالمنا العربي رأينا المساخر من الرؤساء والحكام الذين يكذبون على شعوبهم كل يوم حتى صدقوا أنفسهم، واعتبروا أنفسهم صديقين ونبيين ولابد من الاستماع إليهم وإطاعتهم. 
فقد شاهدنا حجم الكذب الذي كان يمارسه العقيد القذافي عبر أربعين سنة فقد كان مجنونا بالكذب ومتمسكا به حتى آخر لحظة في حياته، وكان كل كذبه موجها إلى شعبه فقد عرفه العالم وتعاونوا معه على قدر استغلاله، والحصول منه على أموال ومنافع اقتصادية.. واستمعوا إليه في مشروعاته الوهمية التي كان يكذب بها على طريقه في النظرية العالمية الثالثة والنهر وملك ملوك أفريقيا مقابل الحصول على أموال وهم يدركون جيدا أنه يكذب، وفي النهاية هو يكذب على شعبه. 
وما يفعله الآن في اليمن الشاويش علي عبد الله صالح الذي مازال يكذب حتى الآن على شعبه ويحول كذب الوقت في محاولة في الالتفاف على الثورة، التي خرجت عليه في كل مكان في اليمن تطالبه بالرحيل.. فهو الذي استمرأ الكذب على شعبه منذ أن تولى السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاما. 
وها هو بشار الذي ورث الكذب والسلطة عن أبيه في سوريا، يحاول بكل ما يملك من الكذب للاستمرار في السلطة بعد أن خرجت الجماهير في الشوارع والقرى والمدن تطالب برحيله ليتهم هو الشعب كله بالكذب، وأن عصابات مسلحة هي التي تقاتل في الشوارع وتقتل في قوات الأمن والجيش.. أما قوات الأمن وأجهزة مخابراته التي تتعدى العشرة أجهزة أو تزيد وقوات الجيش فضلا عن الشبيحة فهم الذين يدافعون عن المواطنين ويذهببون ضحية للعصابات المسلحة. 
ويكذب على الدول العربية ويعلن قبوله مبادرة الجامعة العربية ويستقبل وفدا منها تحت زعم إجراء إصلاحات وسحب قوات الأمن من الشوارع والمدن وإجراء حوار مع قوى المعارضة، ثم في اليوم نفسه تزيد حصيلة الشهداء الذين يسقطون على يد قواته وعصاباته. 
إنها أنظمة اعتمدت الكذب على الشعوب حتى أصبح الكذب شعارها، فالكذب أصبح ملح تلك الأنظمة الفاسدة والمستبدة. 
وحدث ولا حرج عن كذب الرئيس المخلوع حسني مبارك وراجع مواقفه وكذبه من يوم أن تولى السلطة، بل من قبلها، عندما التقاه الرئيس السادات وكان مبارك يطمح بأن يكون رئيس مؤسسة مصر للطيران باعتبارها قريبة من عمله في القوات الجوية، هكذا تحدث في أول حوار له بعد أن أصبح رئيسا.. ثم عاد ليكذب ليقول أنه كان يطمح في أن يكون سفيرا في لندن (باعتبارها بلد الإكسلنسات). 
واستمر الرجل في الكذب حتى اختصر نصر أكتوبر في الطلعة الجوية فقط، ضاربا عرض الحائط ببطولات عظيمة لأفراد وضباط وقيادات في الجيش المصري.. وهكذا ظل يكذب حتى بعد أن تم خلعه في ثورة 25 يناير العظيمة ليدعي عبر تسجيل صوتي منسوب إليه تم بثه عبر قناة العربية بأنه لا يملك شيئا سواء في مصر أو في الخارج، ليكتشف الشعب كل يوم وعن طريق الدول الأخرى حجم الأموال التي نهبها وأفراد أسرته وأفراد عصابته وهربها إلى الخارج. 
وللأسف الشديد جرى ذلك في ظل مجموعة من الموالسين والمنافقين من رجال النظام ما بين سياسيين ورجال أعمال ورجال بنوك ومسئولون كبار – بعضهم مازال في مواقع مهمة – وأجهزة رقابية اطلعوا على ذلك الأمر بل منهم من سهل له ذلك ومع هذا لا أحد منهم يتكلم، فليس بينهم – للأسف – راجل يحمل المعنى الحقيقي للكلمة ليشهد على ذلك ويستريح ضميره – إذا كان لديه ضمير – ويعمل على استعادة الشعب لأمواله التي نهبها المخلوع وعصابته، ولكن للأسف ليس من بينهم رجال فقد كانوا أشباه رجال أو أقل من ذلك.. ولن يغفر لهم التاريخ ذلك أبدا.
نتنياهو وأوباما وساركوزي كذابون، لكنهم يفعلون ذلك لصالح وطنهم، لا نطالب رؤساءنا ولا مسئولينا أن يكذبوا لا علينا ولا على الخارج، فقط أن يراعوا الله في وطنهم ومواطنيهم.