كتاب سبر

امسح دموعك ياوطن

امسح دموعك ياوطن، فإنما هنّ أيام قلائل سيميز الله فيهن الخبيث من الطيب، وإنما هو تمحيص لا أكثر؛ ليعلم كل من على أرضك من هم الذين صدقوا ومن هم الكاذبون، وإنما هي آلام مخاض تسبق ولادة الفرح بقليل، وتسبق إخراج الأذى من الجسد فهكذا هي الأرض الطيبة دائما تنفي خبثها وتطرد سقطها، امسح دموعك ياوطن فدموعك غالية على أبنائك البارّين بك، امسح دموعك ياوطن فمن قوتك نستمد القوة، ومن صبرك وجلدك على مرّ السنين نستمد الصبر والجلد، وبوقوفك في وجه رياح المعتدين نذكر أقدامنا دائماً لتظل واقفة في وجه رياح الفاسدين، ومن عبق ترابك نستنشق رائحة طهرك التي حاول المخربون أن يخلطوها برائحة عفن أفعالهم، لكنهم خابوا وخسروا.
لا تبكِ يا وطن فهي شدة وستزول، لا تبكِ يا وطن فلست بالهين على أبنائك، أنت كالأم ياوطن، تحن على جميع أبنائها، ولا يبر بها إلا الصالحون من أبنائها، وأنت كالأب يطعم كل أبنائه، ولا يقبل يده إلا البارّون به من أبنائه، وأنت كالبيت يؤوي الجميع، ولكن لا يهتم بإصلاحه إلا من عرف قيمته.
أعلم علم يقين يا وطن بأنك تحب أبناءك الصالحين، ترمقهم من بعيد، تعرفهم بسيماهم، تقرأ بين عينيهم كلمة “وطن”، تعلم ياوطن أن حبك ليس بحاجة أوراق ثبويتة ومستندات رسمية، لكنّ حبك شيء وقر في القلب وصدقه العمل، فالوطنية ادعاء إن صلح صلحت سائر أعمال الفرد تجاه وطنه، وإن فسد فسدت سائر أعمال الفرد تجاه وطنه، ومن كان يظهر الوطنية ويبطن خلافها فسيفضحه الله بفلتات مواقفه وسقطات حديثه.
ابتسم ياوطن، فلا بد لليل الفساد وإن طال أن ينجلي، ولا بد لأصفاد الانبطاح وإن قويت أن تنكسر، ولا بد لشمس الحق وإن احتجبت مكرهة أن تسطع؛ لتمزق خيوط أشعتها ثياب الظلام البالية، ولا بد لأذان الفجر أن يصدح؛ ليقطع الكوابيس التي آذت النائمين، ولا بد من وميض يأتي من بعيد ليخبرنا بأن المخرج من هذا الكهف المظلم بات قريباً جديداً.
لك من يمسح دموعك ياوطن، لك من يعمل من أجلك ليل نهار؛ لتبتسم ياوطن، لك من  يمسح عن جبينك عرق الحكومات السبع العجاف التي مرت عليك ياوطن، لك من هو أكثر حكمة من بعض أبنائك الذين غيّبت غيرتهم تجاهك بعضاً من حكمتهم، وأساؤوا لك على حين “غيرة” وأنت تلتمس لهم العذر بلاشك، ابتسم فقط ابتسم فإن لك من يحبك ياوطن.