كتاب سبر

الثوار أيضا يشكرون الداخلية

لم يتغير المشهد كثيرا، نفس الفريقين في كل جهة، الثوار وجوههم مغطاة بالدم ويهتفون من أجل الحرية، والناحية الأخرى تقف الداخلية بضباطها، تستهدف الثوار والمتظاهرين، برصاص حي، يستهدفون الأعين، والأقدام، يطلقون سيلا من القنابل المسيلة للدموع.
نفس المشهد، نفس الفريقين، كانا يقفان أمام بعضهما قبل تسعة أشهر في نفس المكان، في ميدان التحرير، حدث تغيير بسيط فقط، خرج الرئيس مبارك من الصورة، ودخل مكانه المجلس العسكري، لكنه يتصرف بنفس المنطق، نفس البطء في القرارات، نفس عدم الاهتمام بالدماء الطاهرة التي تسيل.
الداخلية، وقواتها التي اختفت طوال تسعة أشهر، تاركة الانفلات الأمني يضرب البلد، في لغز كان عصيا على الفهم، لكنه الآن يبدو مفهوما تماما، عادت الداخلية لتتعامل بمنطق ثأري، وانتقامي من الثوار، الذين كسروا جبروتهم في 25 يناير، عاد عساكر الامن المركزي ليضربوا بقوة وقسوة وعنف، ولكن هذه المرة ليس في حماية مبارك، ولكن في حماية الجنرالات.
ما أقوله، يدعمه الفيديو المتداول للضابط الذي يستهدف أعين المتظاهرين، ويطلق عليهم رصاصاته القاتلة، هل هذا هو ما فعلته الثورة في الداخلية أن تحولهم إلى قتلة مأجورين، في حين ينفي وزير الداخلية طيلة الأشهر الماضية أن يكون هناك  قناصة في وزارته، ماذا يقول إذن عن الضابط الذي يستهدف أعين مصر وثوارها.
انتظرنا رد فعل حقيقي من حكومة الثورة، ومن رئيس وزرائها الذي نسي أنه جاء من ميدان التحرير، لكن جاء الرد بعد اجتماع طارئ، وهو دعم وزارة الداخلية في جرائمها ضد الثوار.
 يعنى السيد وزير الداخلية اللواء منصور عيسوى تم تقديم الشكر له مرتين فى يوم واحد.. فى الوقت الذى استعادت فيه الداخلية عنفها بمساعدة الشرطة العسكرية وفضها اعتصام مصابى ثورة 25 يناير والمتضامنين معهم بالقوة صباح يوم السبت الماضى، ما أدى إلى سقوط شهداء جدد ومصابين.. واستمرار قوات الأمن فى حصار المتظاهرين فى ميدان التحرير وإطلاق جميع أنواع الطلقات عليهم من رصاص حى ومطاطى وخرطوش والقنابل المسيلة للدموع وإلقاء القبض على الناشطين السياسيين واستهداف الصحفيين والمصورين وتصفية أعينهم.
هكذا جاء الشكر للداخلية وأفراد الشرطة على إنجازهم العظيم فى استعادة عافيتها كما كانت أيام عصابة العادلى فى نظام مبارك المخلوع، وذلك على تحلى الأفراد والضباط بأقصى درجات ضبط النفس للتعامل من خلال الأحداث.
 إن ما حدث يوم الأحد.. يذكر الجميع بما حدث فى موقعة الجمل يوم 2 فبراير من إطلاق نظام مبارك وعصابته البلطجية على المعتصمين فى ميدان التحرير وتواطؤ الجميع من أجل التخلص من المتظاهرين حتى ولو بقتلهم.. وهكذا الموقف يتكرر الآن ومنذ يوم السبت ومستمر حتى كتابة هذه السطور.. لقد سقط أكثر من 30 شهيدا وإصابة أكثر من ألفين من المتظاهرين.
 
ومع كل هذا يقدم مجلس الوزراء والمجلس العسكرى الشكر لوزير الداخلية وأفراد الشرطة على تحليهم بضبط النفس، الشكر على ماذا؟! على الانفلات الأمنى الذى ما زال «ساريا» حتى الآن، الذى بدأه حبيب العادلى وعصابته.. ويستمر برعاية رجاله فى الداخلية حتى الآن، وعلى انتشار البلطجية والمسجلين خطر الذين أطلقتهم وزارة الداخلية لترويع المواطنين، وهم المعروفون بالاسم لضباط وأفراد الشرطة ويجري استدعاؤهم وإطلاقهم على الناس.. على تكاسل ضباط وأفراد الشرطة فى كل المجالات حتى رجال المرور لإحداث الفوضى فى الشارع، لعدم استعادة الأمن حتى الآن، وهو العنصر المهم للاستثمار والسياحة، حتى أصبحت السياحة فى الحضيض وضياع مليارات الدولارات على الخزانة المصرية، وعلى إطلاقهم الرصاص الحى والمطاطى والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، التى زاد معدل إطلاقها بعد بيان مجلس الوزراء والعسكرى.
 حسنا..
نحن أيضا نشكر وزارة الداخلية، التي أعادت لنا ثورتنا، وعرفتنا أن النظام السابق لم يسقط، وأن لواءات وجنود النظام السابق كما هم، لم يتغيروا ولم يتعلموا الدرس.
الثوار يشكرون وزارة الداخلية؛ لأنه لولا غباؤها وبطشها وجبروتها، لما استعدنا الميدان مرة أخرى، وما استعدنا ثورتنا.
شكرا.. وزارة الداخلية، لقد وصلت الرسالة، ونحن نريد ثورتنا.