كتاب سبر

سقراط وناصر و(الخِبل)

مع توسع قاعدة (الربيع الكويتي) يتوالى انضمام شخصيات سياسية، دينية، اقتصادية محسوبة على الحكومة إلى مقصورة المطالبين بالإصلاح، ولكثرة عدد المتسلقين على ظهر الإصلاح، لن يُنظر بعين الرضى إلا لمن كانت لهم رؤى وجهود إصلاحية سابقة، والمُراد هنا ليس استعراضاً لمجرد ما يطرح من مطالبات ومواقف، وإنما التوقف عند المعاني والمضامين الإصلاحية في تمحيص الأوضاع السابقة والحالية، ومحاورتها على الطريقة السقراطية! 
فيبدو لي أن اختيار أسلوب سقراط هنا هو الأنسب لمحاولة فهم ما يجري الآن من احتقان شبابي في السياسة الكويتية، فسقراط هو محرك أول ثورة شبابية ظلت قائمة عبر التاريخ، ونراها الآن تحديداً تتجدد وبقوة غير مسبوقة مع فتح أبواب المعرفة والحوار للشباب عالمياً عبر الشبكة العنكبوتية وبرامج التواصل الاجتماعية المتعلقة بها!
 
فالنهج السقراطي لا يقدم الفرضيات، ولا يطلق الأحكام، بل يمحّص بالحوار الفرضيات ويعيد النظر بها؛ ليتخلص بذلك من الخاطئة منها بإبراز تناقضاتها، وبذلك تتبين الفرضيات الجيدة، ولهذا ينسب لسقراط الفضل في تأسيس علم (المنطق) و (الأخلاق) و (الفلسفة السياسية) ، فقد تصدى لمفهوم الأثينيين من أن القوة تصنع (الحق) و (المعرفة)!
 
ولكونه أخضع الشأن السياسي لذات المنطق، اُعتُبِر مفسداً للشباب بتهمة الهرطقة، وحُكِم عليهِ بالإعدام بالسُم الذي قبل تجرعه على أن يتوقف عن سعيه (للفضيلة) وتعليم الشباب كيفية الوصول إليها، وشباب الكويت اليوم أحوج ما يكون لنهج هذا الفيلسوف العظيم؛ إذ إن المرحلة لا تحتمل الشعارات المثالية والمعاني الحالمة، بل تتطلب التماس المعنى المؤدي لفعل ملموس، فبعد رحيل المحمد، باتت المسألة ملحة لضرورة إيجاد بديل عنه يُدين نهجه، ويشجب سياسته، ويُقِر بفساده وإفساده وإن كلف ذلك ضمور واضمحلال رصيده السياسي في قادم الأيام؛ إذ إن رحيل المحمد لم يكن نابعا من عزوفِه عن الاستمرار، أو لرغبة لقيادة العليا بتنحيته لأسباب خاصة، أو حتى بسبب عدم تعاون السلطة التشريعية معه، وإنما كان رحيلُهُ مصحوبٌ بدلالات ثبوتية حول تورطه بأمور أبعد ما تكون عن (الفضيلة)، رشوة، اختلاسات، تزوير، قتل، تعذيب، اعتقال… إلخ!    
فحين نستبعد (الفرضيات الضعيفة) والمؤدية (للتناقضات) التي تقود إلى (يبدو أن) و( قد يكون) و (لربما) في إدانة المحمد، وانتظار رأي النيابة والأحكام القضائية، سينتج عن هذا كما رأينا جميعاً، توحيد جهود التجمعات المتعددة والتي تسعى للإصلاح.
 
وسياسة شراء الوقت، أو محاولة تحصين النفس عن المسائلة، ليست في صالح (مهدي الحكومة الممتظر) إذ هي لم تعد تجدي نفعاً في ظل ما نشهده من وعي شبابي وصحوة يافعة ورغبة نشطة في اجتثاث منابع الفساد من جذورها، فعلى معالي القادم عدم النظر لمسألة وجود (لوبي قبيضة) على نار شوق انتظار راشٍ جديد، بل البدء بالبطش بهم؛ تهميداً لمرحلة الإصلاح المرتقبة، فالإمكانيات موجودة، والأدلة والبراهين متوفرة، والغالبية النيابية متأهبة، والأهم من كل ذلك، وجود غالبية شعبية وشبابية تتعطش للمضي قُدماً في هذا الأمر، ومقصلة الإعدام السياسي تُحتِم على الرئيس القادم الاختيار ما بين الميتتين، ميتة سقراط، أو ميتة (من أنتم) في حال حورِب من قبل أطراف خارج دائرة المعارضة؟؟
أضف إلى ذلك ضرورة مراعاة فلسفة الاختيار في انتقاء أعضاء الحكومة المرتقبة، وعدم الوقوع في خطأ المحمد الفادح، إبان كارثة توزير (الخبل) وجعله ناطقاً رسمياً باسم حكومته، فالبنفسجي كما هو ثابتٌ ومعلوم، هو أحد الأسباب الرئيسية المساهمة في سقوط حكومة الخزي السابقة، ومسيرة الإصلاح بحاجة إلى نماذج حكومية على غرار د. أنس الرشيد، وزير إعلامنا الأسبق، لِـ يُطيح بالواجهة الإعلامية لفساد إعلامنا الفاسد، بدءاً بقناة (حي الطرب) ومروراً بمحطة (الرويبضة) وتوقفاً عند إمبراطورية (الضبعة) الإعلامية، واللواتي عملن سوية على مشروع إشعال الفتن والمحن، وإيقاض الطائفية والقبلية، ونشر الثقافة السوقيه، وتظليل الرأي العام، وحماية المرتشين والقبيضه، والطعن في أعراض ونزاهة المواطنين، وشق صف الوحده الوطنية، وتوزيع صكوك (اللاء) و (الولاء) ، وتشويه صورة البلاد فالخارج والداخل، و و و و و و، فتحقيق الإصلاح يتطلب أولاً وقبل كُل شيء، الدخول في معركة فاصلة تتطلب القضاء على الجيوش الإعلامية الفاسدة وإبادة فلولها، ومن ثم السير في وضع مشروع إصلاحي متكامل.
ويراهن البعض على اجتياز الحكومة القادمة للمرحلة، بينما يراهن البعض الآخر على خلاف ذلك، والمسألة، وبكل بساطة تتوقف على مدى نظرة الرئيس للقادم لأجندة كتلتي المعارضة والإنبطاح، فإن هي تمثلت في النظره التقليدية، فـ (لا طبنا ولا غدا الشر)، وإن كانت ذات جينات مغايرة عن عيون حكومات الرمد السابقة، ثائرة على كل ما هو سالف وقديم، حتماً ستكون الغلبة للبعض الأول!
وإن كانت تكلفة الإصلاح تتطلب تسديد فاتورة كسب عداء أطراف في الأسرة والحكومة والبرلمان على حساب رصيد الرئيس القادم، فقد دفع سقراط (رول) كسب عداء شعوب اليونان قاطبة، وعلى حساب ما تبقى من حياته، مُصِراً على استكمال مشروعه الإصلاحي.
 faisalbnomer@