تبدو الآن الخريطة السياسية المصرية شبه واضحة، لم تكتمل الانتخابات بعد، لكن نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية، تقول إن الإسلاميين سيسيطرون على البرلمان، وأن المجلس العسكري لا مانع لديه في ذلك، ما دام سيحتفظ بصلاحياته.
الطرفان لا يريدان الصدام، فبعد أيام من الجدل داخل الجماعة، وعلى صفحات الصحف والفضائيات، حول صلاحيات البرلمان المقبل، والذي بدا أن الإخوان سيشكلون الأغلبية فيه، وإذا ما كان الإخوان سيشكلون الحكومة أم لا، وهل لديهم صلاحية حلها أم لا، بدا واضحا أن الإخوان لا يريدون الصدام، حيث خرج رئيس حزب الحرية والعدالة، الدكتور محمد مرسي، ليؤكد أن الجماعة لم تطلب تشكيل الحكومة، وأن موقف الإخوان هو أن المجلس العسكري وفقا للإعلان الدستوري هو الذى يعين الحكومة، لكن حزب الحرية والعدالة طالب بأن توضع الأغلبية النيابية في الحسبان عند تشكيل الحكومة.
تراجع جماعة الإخوان، كما بدا في تصريحات رئيسها، ربما يشير إلى تقارب غير محمود العواقب، بين العسكر، والإخوان، أو بمعنى أكثر دقة بين حلم الدولتين لدى كل منهما، الدينية والعسكرية، وهو الذي من شأنه أن يطيح بكل ما حلمت به التيارات الليبرالية، وخرجت من أجله في ثورة 25 يناير، من أجل دولة ديمقراطية قائمة على التعدد.
المؤشرات، واضح تماما، أنها تجرنا الآن تجرنا إلى تحالف بين العسكر والجيش وإن كان الأمر قد بدأ منذ فترة، من خلال تنسيق عام بين الطرفين، ولم يصل الأمر بين الطرفين إلى الخلاف أبدا، وإن وصل فى أحيان إلى أى خلاف باتفاق طرف آخر أو انحيازه إلى رؤيته مع قوى ثورية ما إن يعودا الطرفان مرة أخرى إلى الاتفاق.
وقد بدأ ذلك منذ استفتاء 19 مارس على الترقيعات الدستورية التى تبناها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مخالفة أهداف الثورة التى طالبت بدستور جديد لا إدخال تعديلات أو ترقيعات على دستور 1971، وهنا وقف الإخوان ومن معهم من التيار الإسلامى، سواء الجماعات السلفية أو الجماعة الإسلامية مع هذا الاستفتاء، وتنازلوا عن هدف رئيسي من مطالب ثورة 25 يناير العظيمة، واستمر هذا الأمر، وكان المجلس الأعلى يستخدم الإخوان ومن معهم فى مواجهة مطالب القوى الثورية من ضرورة اعتماد الشرعية الثورية فى تنفيذ أهداف الثورة فى انتقال المجتمع عبر خريطة طريق واضحة إلى مجتمع مدنى ديمقراطى حديث، ولعل انصياع الإخوان ومن معهم لمطالب الجيش فى عدم مشاركتهم فى المليونيات والمظاهرات التى يدعو إليها ائتلاف شباب الثورة والحركات والقوى الثورية ضد استمرار سياسة التباطؤ والتواطؤ للمجلس العسكرى فى تحقيق أهداف الثورة والالتفاف حول تلك المطالب فى مقابل استجابة المجلس الأعلى إلى مطالب الإخوان، التى كان آخرها الانصياع لرفض الوثيقة الدستورية الحاكمة على غير ما تبناه المجلس الأعلى من قبل، وتكليف الحكومة بوضع تلك الوثيقة والحوار مع كل القوى السياسية بما فيها قوى «الفلول» والإخوان أنفسهم، الذين وافقوا عليها فى البداية مقابل الخروج من جدل الانتخابات أولا والدستور أولا، هكذا قال الإخوان فى بيانهم الموقع عليه.. ومع هذا وصلوا عبر طريقتهم إلى الحصول على مكاسب صغيرة.. ثم تكبير هذه المكاسب ليكون فى النهاية قرارهم برفض تلك الوثيقة بشكل كامل.. فيستجيب إليهم المجلس العسكرى فى مقابل عدم مشاركتهم فى التظاهرات ضده والتغاضى عن موقفهم القانونى.
واضح تماما أنه ليس هناك خلاف بين الإخوان والمجلس الأعلى.. ففى الوقت الذى خرجت فيه الملايين لاستعادة الثورة ونادوا بسقوط حكم العسكر.. التزم الإخوان الصمت التام رغم سقوط الشهداء فى شارع محمد محمود.
وبمراجعة تصريحات كل من المشير طنطاوى وكذلك تصريحات المرشد العام محمد بديع، ستجد الكثير من التطابق، ولم لا وهما ينتميان إلى مؤسسات محافظة، وليس لهما علاقة بالثورية.
فها هو ذا طنطاوى الذى ظهر كثيرا خلال الأيام الماضية بالتوازى مع مطالب التحرير برحيله وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى يتفق عليها الثوار.. فاستمر فى عناده وأعاد إنتاج نظام مبارك حتى بدت بياناته وكلامه صورة طبق الأصل من تصريحات مبارك، كما استعاد قيادات المجلس العسكرى كلام رموز النظام من أن ميدان التحرير ليس كل مصر.. وهو كلام سبق وأن ردت عليه الجماهير فى ثورة 25 يناير.
الموقف لا يختلف كثيرا عند المرشد العام للإخوان الذى فاجأنا بحوار تليفزيونى على قناة الإخوان، بأن يفضح الجماعة بأنها كانت تأخذ أوامرها بالنزول إلى الميادين من جهات رسمية.. ففى تعليق على ما جرى يوم السبت 19/11 من اعتداء قوات الشرطة والجيش على المعتصمين بعد جمعة الإخوان، والسلفيين 18/11 قال: “إن دعوات وجهت إلى الإخوان المسلمين من بعض المسؤولين للنزول إلى الميدان، بل النزول فى بعض عواصم المحافظات”.
ويقول: «إن مطالبة بعض المسؤولين لنا بالنزول إلى الميادين على خلاف المرات السابقة؛ حيث كان طلبهم باستمرار عدم النزول إلى الميادين”، يعنى المرشد العام يعترف أنه كان ينزل بأوامر من المسؤولين الذين لم يكشف عنهم.. فهل هناك مسؤولون فى هذا البلد غير المجلس العسكرى؟
يبدو واضحا أن التحالف بين الكاب واللحية قد بدأ من زمن، وأن نهاية الانتخابات البرلمانية، لن تكون هي نهاية المطاف، كل هذا يدفع القوى الليبرالية للتوقف عن الولولة من اكتساح الاسلاميين، والعمل بحق على استعادة الثورة، من الذين سرقوها، وهم لا علاقة لهم بها.
أضف تعليق